الحياة في السوشيل ميديا

كثيرًا ما تكون حياة السوشيل ميديا حياة حافلة بالصخب والنشاط والسعادة وقضاء الأوقات الماتعة، مع غياب شبه تام للجانب غير المرئي منها، حيث يكون لعامل الإصرار اليد الطولى في إظهار الجانب المشرق من تلك الحياة والتي يشاهدها الناس بكل انبهار وإعجاب ودهشة وما شاكلها من مشاعر، مع محاولة التعمية بشكل متعمد على الحياة الواقعية المرافقة لحياة السوشيل ميديا، والتي لا يلحظها سوى من كرس نفسه لمحاولة إلغاء الواقع وإبراز تلك الحياة من خلال الصور الجذابة ومقاطع الڤيديو ذات الإخراج الهوليودي.

إخراج من جانب واحد ومن زاوية مدروسة يُظهر حياة الطبقة الراقية في سفينة التايتنك بكل ما فيها من بذخ وترف وأناقة أزياء، ويُخفي حياة الطبقة العاملة الكادحة التي كانت تعمل أسفل السفينة؛ والغرض من ذلك كله هو خلق حياة ذات وضع مثالي حالم، حياة بعيدة كل البعد عن واقع الكد والتعب والعثرات.

هذا الإخراج سيشكل على المدى البعيد صورة ذهنية ساحرة، ومصنوعة بشكل مقصود في خيالنا تجعلنا نصاب بنوع من الإحباط عندما نخرج إلى حياتنا الواقعية، لنجد صورة مخالفة تمامًا لما في أذهاننا، صورة مشوشة وغير واضحة، والغبش يغطيها من كل جانب؛ عندها سنشعر وندرك بأن في الأمر خدعة ومبالغة كما يحدث في كثير من الأفلام البوليودية.

عندما نبحث عن الأسباب والمبررات وراء ذلك السلوك من قبل أولئك الذين يحاولون بشتى الوسائل والطرق طمس الواقع، فإننا لا نجد مبررًا واحدًا ولا سببًا مقنعًا لتلميع تلك الحياة سوى تحقيق مصالح شخصية بعيدة بُعْدَ الأرض عن كوكب نبتون، مصالح كل همها التكسب المادي أو النفسي، والتي لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالصالح العام لبني الإنسان.

إن الولوج مع هؤلاء في عالمهم يتطلب منا الحيطة والحذر، وعدم الانغماس بالكلية؛ حتى لا نغرق، وعلينا أن نبقى على السطح؛ حتى يكون خروجنا سهلاً لا تعقيد فيه ولا صعوبة وبأقل قدر ممكن من الخسائر.

من الجميل أن نعيش إيجابيات الحياة وأن نكون على قيد التفاؤل دائما، لكن ذلك لا يعني أبدًا أن ندخل في عالمهم، ولنعلم بأن الأمر سيتطور؛ حتى نصبح مشاركين مشاركة حقيقية معهم في خداع الناس والتحايل عليهم بالصور والمشاهد التي تلتقطها كاميراتنا، فنجعل بذلك حياة السوشيل ميديا هي الحياة البديلة عن الحياة الواقعية.

إن سلوكنا هذا يؤكد مشاركتنا مشاركة فعلية، وكلامنا لن يكون ذا قيمة بل أفعالنا هي التي تتحدث بالنيابة عنا، وهي التي تصنفنا كأدوات لبناء المجتمع أو معاول لهدمه وتفتيته وإيقاع الضرر به.

يقول شكسبير: ”الأفعال دائمًا أبلغ من الأقوال. صَدِّقْ ما تراه وَانْسَ ما تسمعه“.