أسيرتي وأسيرها
يزخر قاموس حياتنا بمفردات راقية، حروفها تفد إلينا برفقة خيوط الشمس، ووقعها على النفس محاط بالتفاؤل والإيجابية مع مزيج منسجم من التقبل والهدوء والابتسامة والسعادة، ولا تتأتى تلك الحالة من الهالة المزهرة إلا بحسن اختيار مفرداتنا وانتقائها، ثم اصطفاء النخبة منها قبل أن تنطقها أفواهنا، مفردات إن نحن قلناها كسرنا قيد أسرها وحررناها وحررنا معانيها؛ لتخرج إلى الناس بعد أن أصبحت طليقة، حينها نفقد سيطرتنا عليها وعلى تبعاتها وآثارها المترتبة، فإن كانت طيبة رسمت البهجة والحبور في نفس متلقيها وروحه، وإن كانت سيئة فظة رسمت الحزن والكآبة على محياه وسببت جرحًا غائرًا في عمق فؤاده قد يمتد الزمن به بعيدًا.
الكلمة إما أن تكون أسيرتنا أو نكون أسراءها، وهي في قبضتنا طالما لم تخرج من بين لَحْيَينا، فعلينا أن نفكر مليًا وأن ندقق فيها ونتروى، وأن نمحصها قبل أن تنتقل الإغلال إلينا، فتكبلنا بما صنعته وتدخلنا في دوامة يكون فيها الضمير حاضرًا بوخزه وتأنيبه، فتطفو إلى سطح القلوب الحية تعابير الاعتذار والخجل مما نطقنا به من كلمات لم تكن صالحة ولا مناسبة، يعقبها تبريرات تحمل مضامين عدم تعمد الإيذاء والتبريح.
الكلمة في أسرها تكون تحت طوع أمرنا نختارها ثم نفكر فيها وفي مناسبتها للموقف بعدها تخرج كموجات في الهواء لتصل إلى آذان متلقيها، وهذه العملية سريعة في مراحلها وقد لا نلحظها، فلنحذر شديد الحذر عندما نقولها، وعلينا أن نهذبها طالما لم تخرج، فإذا خرجت لا بد وأن تكون بلسمًا ورِقّة أو فائدة وحكمة أو تشجيعًا وتحفيزًا، لا أن تكون سهامًا ومسامير ندق بها قلوبًا قد فعل بها الزمن ما فعل.
إن تدريب اللسان على النطق بالكلمات الخيرة التي يظللها الجمال والعذوبة ليس من الأمور الصعبة بعيدة المنال، بل إنه أمر سلس سهل، وله فوائد جمة ومنافع كثيرة، وأقل منفعة فيه محبة خاصة في النفوس نقشها نحاسي الصنع يستمر أثره عمرًا طويلاً.
يقول كاتب تركي:
”ليس شرطًا أن يكون العناق ذراعين، فقد يكون كلمة“.