12 ساعة عمل، 6 ساعات نوم، 6 ساعات راحة

كموظفة، أقضي، في أحسن الأحوال، ساعتين ذهاباً للعمل وإياباً، والتي بإمكانها أن تمتد إلى 4 ساعات إذا وجد عائق في الطريق، 8 ساعات في العمل إضافة لساعة الغداء الإجبارية. أخرج قبل شروق الشمس وأعود للمنزل بعد الغروب مرهقة أقضي ما تبقى من يومي للاستعداد للنوم لأبدأ الروتين نفسه اليوم الذي يليه، لا أجد الوقت الكافي لإنعاش حياتي الاجتماعية أو ممارسة هواياتي، مهما نظمت وقتي، كنت دائماً ما أتساءل عمّن وضع نظام ال 8 ساعات عمل يومياً؟ ولمَ سار العالم كله على ذلك النظام بدون اعتراض أو مراجعة؟

1 مايو سنه 1886م هو اليوم الذي شهد أكبر إضرابات عمالية في تاريخ أمريكا للمطالبة بأجور أفضل وعدد ساعات أقل للعمال حيث كانوا يعملون من 10 - 17 ساعة، ستة أيام أسبوعياً. كان شعارهم حينها «8 ساعات عمل، 8 ساعات نوم، 8 ساعات راحة». لم يعجب ذلك أصحاب المصانع والسلطات، وأصيبت الحركة الاقتصادية بالشلل، ففتحت الشرطة النار على العمال المضربين وقتلت عدداً منهم واعتقل عدد آخر وحكم عليهم بالسجن أو الإعدام.

بعد عدة أيام من الإضراب ووقوع الكثير من الضحايا، تم سن قوانين جديدة للعمال للسيطرة على الأوضاع، وأصبح 1 مايو هو يوم عيد العمال الذي تحتفل به دول العالم كلّاً سنوياً. ومذ ذلك الوقت، أي ما يقارب قرناً ونصفاً، ونحن نعمل 8 ساعات يومياً!

12 ساعة عمل، 6 ساعات نوم، 6 ساعات راحة، هو يوم أغلب الموظفين خصوصاً من يسكنون بعيداً عن أعمالهم حيث أصبح أغلبهم يقتص من ساعات نومه لصالح ساعات الأسرة والمجتمع ليقوم بدوره الأسري وليشعر أنه موجود.

لقد وضع نظام ال 8 ساعات في زمن لم يكن هنالك وجود للذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي الهائل الذي نشهده الآن، ولذلك من المنطقي إعادة النظر في ذلك النظام لمواكبة العصر الحالي. إضافة لإمكانية توظيف عدد أكبر والمساعدة في تقليل البطالة.

من الغريب أن يجاهد الكثير من الشركات لاستغلال التكنولوجيا في كل شاردة وواردة، حتى أن بعضهم وضع أكواداً للمسح بالهاتف الشخصي لطلب المصعد وقت انتشار وباء كورونا، بدل لمس الزر، لكنها تعود للعصر الحجري عندما يتعلق الموضوع بتقليص ساعات العمل الطويلة أو السماح للموظف بالعمل من المنزل!

إن ساعات عمل أطول لا تعني إنجازاً أكثر، بل بالعكس، إن طول ساعات العمل يجعل الموظف يميل إلى التسويف والنفور من إكمال العمل، إضافة لإحساسه بأن لا حياة شخصية له، فمع نهاية ساعات العمل الطويلة، لن يبقى له الوقت الكافي للجلوس مع أسرته أو أصدقائه أو إنجاز بعض الأمور الشخصية أو ممارسة الرياضة أو الاستمتاع بهواياته، إضافة لتأثير ذلك على صحة وسلامة الموظف النفسية والجسدية.

العمل 8 ساعات يومياً إضافة للوقت المستغرق للتنقل، يستهلك الجزء الأكبر من يوم الإنسان، مما يترك له وقتاً محدوداً للقيام بدوره بشكل فعال تجاه الأسرة والمجتمع. هذا النمط من الحياة عادة ما يؤدي لضعف العلاقة الزوجية وزيادة احتمالية النزاعات، كما يؤثر سلباً على نمو الأطفال العاطفي والاجتماعي ويحد من تحقيق النتائج التربوية الإيجابية، قد يساهم ذلك في تفكيك الأسرة والتي تمثل الخلية الأساسية للمجتمع والتي إذا صلحت صلح المجتمع وتطور، وإذا تفككت تفكك النسيج المجتمعي بأسره!

كاتبة صحفية