فضل الله المسكون بالوحدة
الشيء المحير في حالتنا الإسلامية أننا لم ندرك بعد أهمية الوحدة بيننا كأمة إسلامية، ولا نزال نعيش ونكرس حالة التمزق حتى داخل الطائفة الإسلامية الواحدة، على الرغم مما نشهده من عمل محموم يقوم به أعداؤنا على جميع الأصعدة لإذكاء نار الفتنة وتوسيع الهوة وتعميقها بين مختلف الأطراف لأنهم يعلمون تماما معنى أن نكون متحدين. أعداؤنا محظوظون حقا، إذ لا يحتاجون إلى بذل جهد كبير لإشعال الحروب البينية، وذلك لوجود القابليات الخصبة والبنى التحتية المؤهلة تأهيلا عاليا للانحدار في مستنقعات الطائفية.
كان يمكن لوسائل الاتصال الحديثة أن تهيء الأرضية المناسبة للقاء والحوار والوحدة، وإذ بها تستثمر في التفريق بين الأخ وأخيه، وبين المرء وزوجه.
وكان يمكن لمؤتمرات التقريب والحوارات الوطنية أن تنتج برامج عملية تنهي على أقل تقدير حالة اللاسلم واللاحرب بين شركاء الدين وشركاء الوطن المتشاكسين في فضاءات الانترنت والمساحات الإعلامية المتاحة، وإذ بقراراتها لا تبرح أماكن انعقادها، وإذ بأصحابها يعودون بعدها لقواعدهم الشعبية كما عادت ( حليمة لعادتها القديمة ) كأن لم تكن بينهم وبين الآخرين في المؤتمرات مودة.
السؤال: أين المشكلة؟
هنا انبرى المرجع الديني الراحل السيد محمد حسين فضل الله ( ره ) الذي كان بالفعل أحد الرموز الإسلامية الذين اشتغلوا على موضوعة الوحدة من الناحيتين التنظيرية والتطبيقية، وكان يدرك بوعيه السياسي خطورة اللعبة الطائفية، فحدد أساس المشكلة بأنه غياب الإنسان الوحدوي، وأن الحل في العمل على إيجاده، يقول سماحته: المهم أن يكون الإنسان واحداً في ذاته وفكره ومشاعره وتطلعاته وآماله وأحلامه، وأن يكون مؤمناً بالوحدة وعاملاً لها، وإلاَّ فإنَّ الفشل يكون حتمياً، مهما كانت المشاريع كبيرة، ومهما كانت الخطط شاملة، لأنَّهم أهملوا البنية التحتية لإنجاح أي مشروع وحدوي، ألا وهي إقامة الإنسان الوحدوي.
المسألة إذن تتعلق بإعادة صياغة الإنسان المسلم من حيث طرق تفكيره ونظرته لنفسه وللآخرين، فالإنسان الوحدوي يبحث عن المشتركات، بينما ينشغل غيره بتسجيل النقاط السلبية والأهداف الوهمية في مرمى الخصم. الإنسان الوحدوي يفكر بطريقة النجاح المشترك، بينما تتعشعش في ذهن غيره فكرة الاستمتاع بسحق الآخرين.
يتحدث سماحته عما يجب أن يكون عليه الإنسان الوحدوي المنشود قائلا: إنَّ الإنسان الذي يعيش الوحدة هو الذي يحترم خصوصية صاحبه، كما يريد من صاحبه أن يحترم خصوصيته. عندما تكون وحدوياً، فإنَّ عليك أن تفتح المجال لتحمي حرية صاحبك بأن يقول ما يشاء، تحميه من كلّ عواطفك وانفعالاتك، وتقاتل في سبيل حريته، لأنَّ الآخر إذا استطاع أن يأخذ حريته في أن يعبّر عن فكره بصراحة، فمعنى ذلك أنَّك تستطيع مناقشة آرائه، كما يستطيع هو مناقشة آرائك، لا أن تحجب حريته عنه ويحجب حريته عنك، وبعد ذلك تختبئان في زاوية المجاملة، وتنتهي القضية بنقطة مقابل نقطة، أو أكثر من ذلك، ويتفرق بعدها المتفرجون، ويرجع كلّ لاعب إلى مكانه.
لم يكن السيد فضل الله بالطبع غارقا في الحلم، بل كان منظرا ممارسا، يعي الأبعاد التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي كانت تعترض طريق الوحدة، وقد تطرق لكل ذلك في أكثر من خطاب، فهو يرى أن هناك حواجز نفسية ، ومشاكل فكرية في نطاق تفاصيل المفاهيم الإسلامية العامة وجزئيات الأحكام الشرعية، ومشاكل سياسية في نطاق الواقع الطائفي ، مما يجعل للوحدة طابعاً عاطفياً وفكرياً وسياسياً. ومن الطبيعي أن تختلف وسائل المعالجة وأدواتها وساحاتها وأشخاصها تبعاً لاختلاف أجواء الوحدة مشكلةً وحلاً. ومع إقراره بكل ذلك، إلا أنه كان يركز على الإنسان الوحدوي باعتباره اللبنة الأساس لمشروع الوحدة الإسلامية.