دماش لـ حبال السيد حسين السادة في الظهران

شبكة أم الحمام
دماش لـ حبال السيد حسين السادة - التوبي الحبيبة
دماش لـ حبال السيد حسين السادة - التوبي الحبيبة

 

لقد تملكتني عبرة كاد معها أن يسقط من محاجر العين دمعة أسف على الماضي برونقه ونفحات تنساب للفؤاد لتستذكر مرحلة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه .

هذا الشعور حملته معي وأنا أجوب أركان خيمة التراث في مهرجان صيف أرامكو السعودية الثقافي 2011م، من على ربوة أعلنت التحدي في عالم المعرفة والرهان على الطاقة البشرية فمن أحد  أطراف مدينة الظهران  يتراءى لنظريك خيام متراصة يؤمها  كل ليلة أفواج من الزائرين  فرادى وزرافات جاء بهم الشوق والحنين ليستنشقوا  بعضا من نسمات الماضي  الذي قرءوا عن مجمل تفاصيله في  قرطاسيات وكراسات جديدة , جاءوا والأمل يحدوهم بأن يعيشوا ولو وقتا يسيرا من حياته ويستلذوا بحقيقة وصدق أيامه .

حتما عندما تهم بالدخول لهذه الخيمة التراثية حتى يعود بك شريط الذكريات إجبارا للوراء ويدور في خلدك بعضا من القصص التي كان اباؤنا وأجدادنا عليهم  شآبيب الرحمة والمغفرة يروونها لنا ونستمتع بها تارة وأخرى تلفنا الحيرة كيف كانوا يعيشون .

داخل الخيمة عيناك تنقلك بين حرف ومصنوعات قديمة جدا تؤكد لك صدق من قال إن الإنسان أبن بيئته والحاجة أم الإختراع التي كانت سببا في إنبراء هذا الإنسان  بفكره نحو ما يملكه من أدوات تلبي حاجاته جاعلا البيئة هي  الأساس لتوفير مستلزماته , بل وهي المعطاء  فكان النتاج إبداع منقطع النظير تحدثت عنه الروايات وتناقلته الأجيال .

إن الكمال الذي ملأ عيني  في هذه الخيمة بأرض المهرجان هي تلك المصنوعات اليدوية والتي أرى أنامل أبائي وأجدادي تنسجها  بمهارة ودقة فائقة رأيتهم وقد انحت ظهورهم وقلت أنظارهم وظهرت تجاعيد الزمان الطويل على محياهم ولكن مع هذا أبوا إلا أن يخبرونا عن قصة الكفاح وكيف كانت أيامهم وطريقة مصنوعاتهم  .

منهم  العّم  ((حسين السادة )) رجل بلغ السبعون عاما تقريبا رمقته في ركن يسمى الليفيات رأيته منحي الظهر وممدا رجليه وإذا به يفتل بين يديه قطعا من الحبال طويلة بادرته بالسلام فرفع رأسه الشامخة ورّد عليه بأحسن منها مع إبتسامة تجمّل ثغره الطاهر  لن أنساها ما حييت سألته عن الشيء الذي يعمله فدار بيني وبينه جملة هذه المعلومات  حيث يقول أعمل في صناعة الليفيات أو الليف قائلا بأنه  يعني  طبقة رقيقة جذرها بالجذع وتفصل ما بين الكرب في النخل .

وسألته عن انواع الصناعات منها فقال هناك  عدد من الصناعات التي تقوم على استخدام "الليف" كمادة أساسية ومنها :

- الحبال و طريقة عملها من الليف تعتمد على تمزيق نسيج الليف بعد ترطيبه إلى خيوط صغيرة بقطر يصل إلى ثلاثة ملليمترات للحبال الدقيقة وبعد أن تتكون مجموعة من هذه الخيوط يبدأ عمل الحبال  والطريقة في ذلك أن يكون العامل جالسا ويمد احد رجليه مستخدما أصبع الرجل الإبهام مع جاره كماسك ويكون الحبل من ثلاثة خيوط يلفه ا بالتناوب بما يشبه الحلزون حول بعضها مستغلا أن لا ينتهي اثنين مع بعض حتى يضيف حبلا صغيرا آخرعليهما وذلك حتى لا تضعف قوة الحبال وهكذا تستمر العملية إلى الطول المطلوب للحبال، وعندما يراد حبلا أسمك فان هذه الحبال الدقيقة تستخدم كخيوط وهكذا تتكرر العملية، وتصل سماكة الحبال إلى ثلاثة سنتمترات في بعض الأحيان لتكون ما يعرف بالرشا ، وأما استخداماتها فهي كثيرة فتدخل في عمل مقابض الأدوات كالسفرة مثلا، وتستعمل لربط المنتجات الزراعية والبرسيم كما يستعمل الحبال للتقوية هذا وان بعض الحبال تلف إثناء الصنع بالخرق لتنعيم ملمسها الخارجي.

 - الخرج : وهو الأداة الذي يوضع فوق ظهر الحمار لنقل الرمل والسماد ويتدلى فوق ظهر الحمار على جانبيه وبشكل كيسين مفتوحين من الأعلى ومتصلين مع بعض، و مفتوحين من الأسفل إلا انه يمكن إغلاق الفتحة بأزارير وخيوط من الحبال ، ويستغل الليف في الخرج بحجمه الطبيعي ليكون غلاف الكيسين.

 وتضاف على الجدران الخارجية قماش مزركش لتنعيم مظهره، وتتدلى أحيانا منه حبال للتجميل.

 - المروى : وهو يشبه الخرج في التكوين العام إلا انه يتكون من أربعة أكياس يتدلى كل كيسين على جانبي الحمار وكل كيس على شكل مخروط دائري ناقص مفتوح من الجهتين ويكفي الكيس لوضع جرة مسخنة بداخله لهذا فهو يستغل لجلب الماء.

 -الكر : هو أداة يستخدمها الفلاح لصعود النخلة ويصنع من نسيج الليف من حبال دقيقة على شكل قطعة مستطيلة تحيط ظهر الفلاح أثناء الصعود.

 -المواسد والمساند، ويقصد بالمواسد المخدات والمساند ما يوضع خلف الظهر في المجالس العربية وهذه تعمل من الليف الكامل بعد تصفيقه كما توضع داخل كيس من القماش لإعطائها مظهرا جميلا.

 وأضاف بأن  الليف يستغل  في لف طلع النخيل أثناء التأبير بعد تقسيمه إلى قطع مناسبة كما كان يلف العنبر أيضا تفاديا من (أبن آوى)

  فقد كان يصنع منه غطاء للرأس عن الشمس وأحذية لتصد حرارة الرمضاء , ولما كان الليف متوفرا على نطاق واسع ويدخل في عدد من الصناعات المهمة فقد كان الاشتغال به أيضا كثيرا وعلى أي حال فالفلاحون مثلا يعملون الحبال ليلا وقت راحتهم في المجالس، وصناعة الحبال أتاحت الفرص لعمل المكفوفين وذوي الإحتياجات الخاصة.