الانتخابات البلدية: حتى لا تكون فتنة

 

الانتخابات بجميع صورها هي عنوان حضاري جميل. أن يصوت المواطن أو ينتخب أو يُنتخب، فهو يمارس عملية سياسية متقدمة، فيها التنافس الشريف للوصول لمحطة من محطات خدمة الوطن والمواطن.

وهي على الصعيد الاجتماعي شكل من أشكال الحراك الاجتماعي السياسي الذي يدفع المجتمع وأفراده نحو الاهتمام بالشأن العام وإعطاءه أولوية وعدم الانغلاق في الشأن الخاص والذاتي فقط.

الانتخابات البلدية تمثل صورة من صور ممارسة الحق السياسي للمواطن. بيد أننا عندما نستحضر مفاعيل ممارسة هذا الحق في أول تجربة للانتخابات البلدية قبل 6سنوات تقريباً، رأينا حجم الآمال الكبيرة التي أعطت دفعة للناس نحو التفاعل والحماس، ثم ما جرى فيها من لغط بين الناس، وما حصل من تكتلات بين الشرائح الاجتماعية، وما حدث من اصطفافات فئوية، وما تبع كل ذلك من آثار في الفرز الاجتماعي، كل ذلك يدفعنا للتريث قليلاً لوضع بعض النقاط على الحروف كي لا تتكرر أخطاء التجربة السابقة، وكي ينطلق مجتمعنا بروح ايجابية في ممارسة حقه الانتخابي بروح حضارية تعي ما وراء مفردتي "الانتخاب والانتخابات"، حتى تتقي مجتمعاتنا الفتن وتتدارك المزيد من التشتت.

رسالتي الأولى موجهة إلى الأخوة المرشحين الذين انطلقت حملاتهم الإعلامية يوم الأحد الماضي كما نصت لائحة الانتخابات. أحييهم أولاً على توجههم لخدمة الناس والمجتمع لما في ذلك من مساهمة في تنمية البلاد ورقي العباد.

خذوا حذركم من أخطاء التجربة الماضية بالابتعاد عن التكتلات والفئوية بحيث لا يكون الميل في برامجكم إلى برنامج الفئة على حساب وحدة المجتمع أو على حساب البرنامج التنموي الذي تحتاجه منطقتنا ومحافظتنا.

نحن لسنا ضد التكتل، لأن التكتل السليم والصحي هو من أهم عناوين العصر الحالي، لكننا ضد التكتل الذي يصب في تمزيق المجتمع وزيادة شتاته.

رسالتي الثانية إلى الأخوة المصوتين الذين سيمارسون حقهم الانتخابي، لأنهم قبة الميزان التي من خلالها سيدخل الفائزون للمجالس البلدية القادمة. اعتمدوا شعار "القطيف أولاً" ليس لجماله وعصبيته للذات الاجتماعية، ولا لتحيزه لأهل هذه المحافظة، إنما لأنه يعني فيما يعني، أن يكون اختياركم للمرشحين على قاعدة ألأفضلية ومعيار الكفاءة المهنية والقدرة على خوض مسارات تنموية تطور محافظة القطيف وتخدم رقي أبناءها.

معايير التصويت لا تخضع مطلقاً لجمال صورة المرشح وشكله وانتمائه لهذه الفئة أو تلك، بل تخضع لإيمان المصوت بأن هذا المرشح أو ذاك يمكنه تقديم الأفضل للناس والبلاد، بالإضافة إلى توفر قدرة وخبرة مهنية مطلوبة. بكلمة أخرى، ابتعدوا عن التصويت الفئوي كي نُجنب مجتمعنا ويلات الفتن والشتات.

رسالتي الثالثة إلى المجتمع، وهو حاضنة الجميع، المرشحين والمصوتين والمسئولين. نعم هناك رأي لا يشجع على التصويت بناءً على مسوغات يؤمن بها أصحاب هذا الرأي مثل: ضعف صلاحيات المجالس البلدية ودورها الرقابي، وفشل تجربة المجالس البلدية في نسختها الأولى، وشاهدهم على ذلك غياب جميع أعضاء المجالس البلدية السابقة عن الترشح في هذه الجولة من الانتخابات...

إلا أن القاعدة المتبعة في جميع البلدان المتقدمة هو أن التصويت حق خاص للمواطن، إن شاء صوت وإن شاء أمتنع عن التصويت، لا أحد يجبره على المشاركة أو على الامتناع.

نحن لا نشجع ولا نثبط، بل علينا أن لا نمارس الوصاية على الناس، فلندعهم يحددوا ويقرروا بإرادتهم ماذا يريدون.

رسالتي الأخيرة إلى الأخوة الذين سيوفقهم الله للفوز ويصبحون أعضاء للمجالس البلدية القادمة. أولاً نبارك لكم سلفاً ونسأل الله أن يعينكم على تأدية الأمانة وحمل ثقل المسؤولية الوطنية، فالناس تأمل منكم أكثر مما تحدده لوائح المجالس البلدية، والوزارة لم تستوعب بعد أهمية توسيع صلاحيات المجالس البلدية وتفعيل أدوارها الرقابية والتنموية، وأنتم بين هاتين الضفتين تسبحون في بحر يحتاج إلى مهارة السباحين واحتراف الغواصين وأدوات الملاحين ومبادئ القياديين، فأعانكم الله على نعمة الفوز وبلاء الأمانة.

كاتب وباحث