متى يكون المواطن مواطناً؟

 

 

صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل بداية هذا الأسبوع لها مؤشرات متعددة، وأهمها، في اعتقادي، الرؤية تجاه قيمة المواطن كإنسان. فالفارق شاسع بين رؤية تقوم على أن المواطن مجرد رقم تراكمي في تعداد سكان الوطن ورؤية تعتبره هو الوطن. وهناك فرق بين وطن لا يمتلك رؤية تجاه المواطن ووطن يعتبره هو الأساس الذي عليه تؤسس خطط التنمية الوطنية وجميع السياسات الداخلية والخارجية. وهناك فرق جلي أيضاً بين رؤية وطن تساوي بين المواطنين أمام الدستور ورؤية تميز بين المواطنين طائفياً أو قبلياً أو أثنياً أو قومياً. عند هذه الفوارق يحدث الاختلاف في مستوى وطنية المواطنين في جميع البلدان.

شغلت إسرائيل العالم لما يقارب خمس سنوات لاستعادة جندي واحد فقط. لذا لا عجب أن يقول الخبر: "إسرائيل تدفع الثمن الأغلى في تاريخها مقابل عودة جندي" واحد فقط، مقابل إطلاق سراح 1027 فلسطيني من السجون الإسرائيلية. هي الصفقة التي أفرجت إسرائيل فيها عن 477 سجينا فلسطينيا وعاد الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط إلى ذويه في 18 أكتوبر الماضي، ثم اكتملت إجراءات إطلاق سراح باقي الأسرى هذا الأسبوع. وبعيداً عن الأبعاد السياسية لهذه العملية، فإن قيام إسرائيل بكل كيانها ومؤسساتها بتحريك اللوبي الصهيوني والداعمين لها من أمريكا وأوربا للعمل على إطلاق مواطن واحد من الأسر، وقد فعل الأوربيون مثلها تجاه مواطنيهم إذا ما تم أسرهم من قبل أي طرف في العالم.

الدول المتحضرة تقوم رؤيتها تجاه المواطن الفرد على أنه هو محور الوطن. المواطن هو الوطن، وبدونه لا قيمة للوطن. المواطن هو من يعطي شرعية للحاكم والحكم والنظام والدستور والقانون. فلا نفع من قانون لا يخدم المواطن. لا نفع من دستور لا يرفع من شأن المواطن. لا قيمة لنظام أو حكم أو حاكم لا يكون هدفهم إسعاد المواطن ورفاهيته وأمنه. إن سر نجاح الحضارات، و سر أفولها أيضاً، يكمن في مقدار احترامها لمواطنيها وطبيعة التعامل معهم. أما اعتبار المواطن مجرد رقم إضافي في تعداد المواليد أو الموتى فهو لعمري مكمن الجهل والداء في المجتمعات والدول والأمم.

غياب الرؤية عند الدولة حول نظرتها للمواطن وقيمته يعني غياب العين التي ترى من خلالها الدولة حقيقة شعبها ومستواه وإمكانياته وحاجاته وطموحاته، بل يعني إصابة الدولة بعمى البصر والبصيرة، لذا لا يكون المواطن محوراً لخططها التنموية، بل تتعثر الخطط في أهدافها، وتتخبط  الخطط في تداخلها وتشابك خطوطها، وترتبك الخطط عند تطبيقها، وتتراجع الخطط عن مساراتها، لأن سياساتها الداخلية والخارجية تُبنى على مراعاة موازين القوى أكثر منها مراعاة "الأصل" وهو مصالح المواطنين.

غياب الرؤية عند الدولة تجاه المواطن وقيمته يجعلها عرضة للرؤى البديلة. والرؤى البديلة تتحكم فيها النزعة البشرية لحب الهيمنة والسيطرة والميول السياسية للاستعانة بالأمثال والأقران في إدارة شؤون البلاد والعباد دون النظر لقدراتهم. هنا يكمن انزلاق الدول في دهاليز عدم التساوي بين المواطنين في تطبيق الدستور وأمام القانون، لأن قواعد التمييز بينهم تتحكم في مفاصل الدولة تحت مظلات التمييز المتنوعة كالطائفية والعشائرية والقومية.

نبذ الكراهية وسيادة المحبة هما مقدمتان لتحقيق كرامة المواطن كإنسان حتى يشعر بمواطنيته. يؤمن المواطن بكونه مواطناً عندما يتلمس المساواة بينه وبين باقي المواطنين، فالمساواة هي العنوان الأبرز لإعطاء المواطن قيمته وكرامته، لأن حاكمية الدستور الوطني على الجميع هي الأساس الذي يكتمل من خلاله حصول المواطن على حقوقه الإنسانية. تنبع محبة المواطن الأمريكي أو الأوربي لبلاده  وتستمر لأنه يعيش المساواة مع جميع المواطنين بغض النظر عن مذاهبهم وقومياتهم وألوانهم. أمنية كل مواطن عربي ومسلم أن يأتي اليوم الذي يرى نفسه فيه هو "المواطن والوطن".

كاتب وباحث