"المسألة الشيعية" في الخليج

 

 

ينفي بعض المتابعين وجود "مسألة شيعية" في الخليج، بينما يصر آخرون على وجودها، وهم الأغلب. وجودها يعني وجود قضية سياسية اجتماعية شيعية في الخليج، ومن ثم تحتاج إلى بحث في أسبابها وطرق معالجتها، وبالتالي ينبغي عدم غض الطرف عنها. أما نفيها كلياً والمطالبة ببراهين تثبتها فذاك كمن يطالب بإثبات لوجود الشمس أو الهواء في الحياة، وإذا أحسنا الظن بمن ينفيها فذلك لكونهم يشخصون الأمر من زوايا ضيقة أو من منطلقات محدودة.

واقع الحال في دول الخليج الست تجاه الموضوع على قسمين: قسم يكون الملف الشيعي دائم السخونة فيها، وإن كانت بعض الدول أقل توتراً ولها حالتها الخاصة، لأن أغلب التوترات ذات الصبغة الطائفية، والشيعة طرف فيها، هي توترات مصدرها تيارات سلفية متشددة، وليس مصدرها الدولة فقط كما يظهر. وهي الدول التي يوجد فيها ما أمسى يسمى بـ "المسألة الشيعية". القسم الثاني: الدول التي لا يوجد فيها "مسألة شيعية" ساخنة. بذلك يتضح أن المقصود من وجود "مسألة شيعية" في الخليج هو وجود قضية أو أزمة أو ملف متوتر بحاجة للمعالجة، وطرفا هذا الملف هما الدولة والطائفة الشيعية في هذا البلد أو ذاك.

وضع الشيعة في الخليج أخذ في التغير والتبلور في العقود الأخيرة. بيد أن وزنهم الاجتماعي وثقلهم السياسي غير ثابت، فهو بين الصعود والنزول وفق ما تفرضه تقلبات حالتي السياسة والأمن في الخليج والمنطقة على أوضاعهم. فلم يكونوا في حال من الصعود الدائم، ولا هم في حال من النزول الدائم. فهم كركاب السفينة الذين اتفقوا على وزن أنفسهم بين فترة وأخرى لتحديد مقدار أوزانهم وبالتالي تحديد مسميات لمواقعهم ووظائفهم وأدوارهم.

هم أقلية واضحة في دولة كالإمارات دون حضور سياسي لافت، بل يعد شيعة الإمارات من أكثر مناطق الخليج تمازجاً وطنياً مع بقية أطياف المجتمع الإماراتي ومع الحكومة. وهم أفضل حالاً في سلطنة عمان ولكن مع حضور سياسي غير ساطع. ولا يختلف حالهم في قطر عن ذلك سوى أنهم لا يملكون حضوراً سياسياً تقريباً. وهم أكثرية في دولة كمملكة البحرين مع حضور اجتماعي فاقع وجمعيات سياسية فاعلة. وهم كالمقاسات المحيرة في كثرتهم أو قلتهم في بلد ما بسب غياب معيار يُعتمد عليه ومتفق عليه لتحديد الكثرة والقلة، ولكنهم يمتلكون حضوراً سياسياً يتراوح في درجاته بين الموادعة مع النظام أو المعارضة له. وهم بين الكثرة والقلة في دولة أخرى مع حضور اجتماعي ناضج وحضور سياسي متوافق عليه بين الناس والدولة ولهم تكتلاتهم النيابية والسياسية كغيرهم من تيارات المجتمع.

نعم، هناك "مسألة شيعية" في نصف دول الخليج. دليلها التوترات المستمرة بين الشيعة وحكوماتها، أحداث في الشارع لا تتوقف، اعتقالات متتالية تتبعها افراجات متباعدة، تصريحات الطرفين عالية النبرة شبيهة بعمليات شد الحبل بينهما، إعلام خارجي وتقارير حقوقية دولية تصب في خدمة الطرفين... وفي بلد ما يكفي متابعة بعض الصحف لمعرفة مستوى وتيرة "المسألة الطائفية"، ولكنها صراع بين مكونات أكثر منها صراع بين الدولة والطائفة فقط.

إذا أردنا الحديث عن مجمل شيعة الخليج فالأمر يزداد تحييراً عندما نريد أن نحدد كثرتهم أم قلتهم، قوتهم أم ضعفهم. هل الخليج العربي محصوراً في الدول الست المنضوية تحت عنوان "دول مجلس التعاون الخليجي"؟ أم كل دولة مطلة على مياه الخليج يمكن اعتبارها دولة خليجية كالعراق وإيران؟ أم يمكن التوسع أكثر والزعم بدخول كل الدول المطلة على مياه الخليج، أو يجمعها تراب الجزيرة العربية، فتدخل اليمن ضمن الحسابات الخليجية؟

ختاماً ينبغي الإشارة إلى أنه لم تكن "المسألة الشيعية" موجودة قبل قرن من الزمان تقريباً، بل لم يعرف تاريخ الخليج أي اشتباكات مسلحة أو مواجهات مسلحة لها حجم يستحق الذكر بين أهلها وحكامهم منذ أن عاشت المذاهب المختلفة وأهلها جوار مياه الخليج عندما وصلت رسالة الإسلام ودعوته إليهم.

كاتب وباحث