ثورة تتحدى المدفع

 

 

ماذا عراك حتى تثوري وأنت الطيبة الحسناء؟!، ماذا جرى حتى تجري قوافي البركان؟!، أبها يا مدينة الضباب والجمال، ماذا جرى أخبرينا؟!، فقلوب الوالهين نحوك تتألم، لا لوم للغاضب حينما يرى الفساد يتنفس وينشر أجنحته، ألسنا بخير؟! فلماذا الشعب تحت خط الفقر سكناه؟!، لا لوم للمحروق حينما ينتفض مشمراً وهو يصرخ محتجاً ومستاءً، ألمان من فرط الإتخام يتقيأ الأول، والآخر يئن من فرط الجوع والتعب.

التضخم كلما ارتفعت ميزانياته وإيراداته، كلما عاش الشعب الأمرين في حياته، كيف لا يشهر الفقر سيفه؟!، رتبتان تتنافسان صعوداً رتبة الجوع والإفلاس والديون، ورتبة الأرقام النفطية الهائلة التي لا تتوقف، أين تذهب كل تلك الخيرات التي يحسدنا عليها الآخرون؟!، الجواب واضح وجلي عند المكبرة التي تتجول في أصقاع الوطن؛ لن تجد انتفاخاً إلا في كروش بعض المقربين من السلطة !!

عدد محدود يتلذذ، والشعب بأكمله مسحوقٌ لبقايا عظام، كيف لا ينتفض الشعب ورياح الثورة تزأر؟!، الجميع يُعاين هذه الطبقة المخملية التي تعيش الهناء على حساب بقية الوطن الذي ينتظر الفتات متى سيهطل؟!، يظن صاحب الصولجان أن سياسة التجويع يلزمها الإتباع، قد تنفرط البكرة وتتمرد الكرامة في الداخل، لتهجم على سارق الذهب، وإن كلفها الحياة، سلسلة الانتحارات الغاضبة التي نسمعها قد تكون منظمة وترتطم بالمسؤول المباشر عن الفساد، لن يجدي الإرهاب الذي تمارسه السلطات حينها، ولن تغني القوة والسفك إذا حل الربيع، وستكون الأمور بخير بعد أن تهدأ العاصفة.

قوافل الكراهية والبغضاء المحملة بالطائفية لن تجدي نفعاً، فالأمة أكثر وعياً، والخصم البليد يستخدم السلاح في أول المعركة، وهذا دليل غبائه وجهله، يعرف حماقة التدخل ثم يمارسه، "عار عليك إذا فعلت عظيم"، لا أحد ينكر وجود الفساد، وأكبر دليل اعتراف الرقم الأول في السلطة بوجوده وتعيين ما يسمى بـ(هيئة مكافحة الفساد)، التي نرجو لها التوفيق، حتى لا تقع في الفساد هي الأخرى !!

لن نستطيع أن نتخلص من الفساد إلا بتصفية الحالة السرطانية المنتشرة عند المسؤولين، فالمحسوبيات والوساطة هي الداء الأكبر والأس الأعظم، يقول محمد الشريف (رئيس هيئة الفساد): (الواسطة غير الحميدة تعد شكلاً من أشكال الفساد)، ويضيف عبدالعزيز الفوزان (أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء بالرياض): (أن انتشار الفساد يعود أيضاً إلى نقص الوازع الديني وتورط بعض المسؤولين في مخالفات)، ألا نمتلك كفاءات نزيهة في الوطن، حتى تنتهي هذه الأزمة؟!، أم أن المشكلة مستعصية في الهرم؟!، اذا كانت الأصول متورطة فلا لوم على الفروع !!

الثورة التي اندلعت في أبها نتيجة طبيعية لهذا الفساد، فحادثة جامعة أبها لم تكن قصة نفايات وعجز في المقاعد وعدم التهيئة الجيدة للتعليم كما يركز الإعلام، بل قصة غطرسة وتمادي وتكبر، فلقد أوصلت الطالبات شكواهن، لكن الاجابة كانت اغلاق دورات المياه وعدم فتح البوفيه، أي عقاب هذا الذي نشاهد في وطن يرفع شعار: " النظافة من الإيمان"؟!، متى أصبحت النفايات طبقة تمشي عليها الطالبات؟!، هذه النفايات من الممكن اقتلاعها، ولكن ماذا عما تلبد في النفوس؟!، أبها التي تنادي بالإصلاح علاجها رفع الفساد، وإلا فإن الأزمة ستتفاقم والداء سينتشر، عندها سيكون الوباء عصياً على الطبيب المتأخر، والقوة لن تجدي نفعاً ويجب أن تقتلع وإن كانت من بلاد الحرمين !