الأشقاء يختلفون أيضا

 

من الحقائق الهامة التي يمكن استخلاصها من تجربة السود ونضالهم لإلغاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة أن النجاح لا يمكن أن يُنسب لفرد بذاته أو مؤسسة بعينها.

فالنجاح هو وليد سلسلة طويلة من الانتصارات والهزائم والمكاسب والخسائر في محطات مختلفة، ولكل محطة أشخاصها ورموزها وظروفها أيضا.

إلغاء التمييز العنصري تطلب أكثر من شجاعة روزا باركس وقيادة مارتن لوثر كينج ونضال المحامي ثيرغود مارشال، حيث هناك العديد من الأفراد والمؤسسات التي قام كل منها بدور في تمكين التغيير.

ومن الحقائق الهامة أيضا أنه برغم اتفاق السود على أهمية السعي لإلغاء التمييز الجائر، إلا أن ناشطيهم سلكوا دروبا مختلفة لتحقيق هذا الهدف، وهذا أمر طبيعي إلا أن الكثير يغفل عنه. إن إدراك هذه الحقيقة البسيطة سيجعلنا نتقبل وجود سبل أخرى يسلكها آخرون يسعون لذات الهدف الذي نسعى إليه.

مثال ذلك اختلاف الطريق التي سلكها بوكر تي واشنطن عن الطريق التي سار عليها دبليو إي بي دوبوا مع كونهما في نفس الظروف والحقبة السياسية.

بوكر تي واشنطن (1856-1915) صاحب كتاب (النهوض من العبودية Up from Slavery) ولد في ظل العبودية، وكان عمره تسع سنوات تقريبا عند إعلان تحرير العبيد. لم تتوفر للأرقاء الجنوبيين قبل الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865) سوى إمكانية ضئيلة للحصول على التعليم، بل كان من الممكن معاقبتهم بسبب تعلمهم القراءة. وحتى بعد ذلك فإن السود في الجنوب كانوا يعيشون حالة التمييز العنصري في كافة المجالات ومن بينها التعليم.

بوكر تي واشنطن اهتم بهذا الجانب حتى أصبح مُعلما يشار إليه بالبنان، وصار يطلق عليه لفظ (المربي). كان يرى بأن تنمية المهارات العملية والاستقلال الاقتصادي هما المفتاح لتقدم السود وخلاصهم في النهاية من التمييز، لذا فقد قرر أن يخصص مدرسته للتعليم الصناعي للسود. لم يكن يؤمن بوكر بالمواجهة السياسية المباشرة مع نظام الفصل العنصري، وإنما كان يريد إشراك المؤيدين من البيض في عملية تنمية المجتمع الأسود حتى تتحقق العدالة شيئا فشيئا.

قال في خطابه المعروف باسم "تسوية أتلانتا" أمام حشد كان معظمه من البيض:

" في الوثبة العظمى من العبودية إلى الحرية قد نكون قد تغاضينا عن حقيقة أن على جماهيرنا أن تعيش مما تنتجه أيدينا، ونسينا أن نبقي في أذهاننا دائما أننا سوف يتحقق لنا الازدهار بنفس بالمعدل نفسه الذي نتعلم به تكريم وتمجيد العامل العادي، ونضع العقول والمهارات في المهن المعتادة في الحياة... يجب أن نبدأ من قاعدة الحياة وليس من قمتها، كما يجب ألا نسمح لمعاناتنا بأن تحجب الفرص المتاحة أمامنا."

كان مقتنعا بأسلوب التدرج للوصول إلى التغيير.

على الطرف الآخر كان المؤرخ والعالم الاجتماعي دبليو إي بي دوبوا ( 1868-1963) صاحب كتاب (روح الناس السود)، كان يؤمن بأن علم الاجتماع قد يوفر المفتاح اللازم لتحسين العلاقات بين الأعراق، وأن الشغب والاحتجاج السياسي المباشرين يستطيعان تعزيز الحقوق المدنية للأفريقيين الأمريكيين. واختلف مع بوكر في مسعاه للتنمية الاقتصادية في أوساط السود التي يريد تحقيها بالتعاون مع بعض البيض المؤيدين لخطته، ورأى في ذلك إزاحة لمشكلة الزنوج عن كواهل البيض وإلقائها على كاهل السود أنفسهم، وكان يرى بأن العبء يجب أن يعود إلى الدولة بالفعل.

قال ذات مرة منتقدا بوكر:

"إذا جعلنا المال موضوع تدريب الرجل، سوف ننمي صانعي مال ولكننا لن ننمي رجالا بالضرورة. وإذا جعلنا المهارة التقنية موضوع التعليم فقد نملك حرفيين ولكن ليس، بالطبيعة، رجالاً. سوف نحصل على الرجال إذا جعلنا الرجولة هدفاً لعمل المدارس، أي الذكاء، والتعاطف الواسع، ومعرفة العالم كما كان وكما هو الآن، وعلاقة الرجال به... على هذا الأساس يمكننا بناء أساليب لكسب العيش، ومهارة اليدين، وسرعة الذهن، دون أي خوف مطلقاً من أن يخلط الطفل والرجل بين وسائل العيش وموضوع الحياة."

اختلفا، سار كل في طريقه وإن كان المقصد واحدا، ثم ذهبا وترك كل منهما إرثه الفكري والعملي وراءه ليسجل التاريخ فيما بعد أن كلا منهما ساهم بدوره في دفع عجلة التغيير.

يقول بوكر تي واشنطن: "لا يقاس النجاح بالمنزلة التي وصل إليها الإنسان في الحياة، ولكن بالعقبات التي يجب عليه تجاوزها بينما يحاول تحقيق النجاح".

شاعر وأديب