الخازوق العصري +18 !

 

 

 


الخازوق هي أبشع وأشنع أداة تعذيب في تاريخ البشرية ، وهي كالرمح أو العصى برأس مدبب ، وتستهدف إختراق جسد الإنسان من الأسفل إلى الأعلى ، خروجاً  من كتفه الأيمن  , ليموت ببطئ في عذاب قد يستمر لثلاثة أيام أو أكثر  ، بحيث لايخترق الأعضاء الحيوية كالقلب والرئيتين .. والجلاد المتفنن " يكافأ " من يمد أيام العذاب لفترة زمنية أطول ،  وكانت عقاباً للمجرمين وقطاع الطرق والجواسيس   .

في يومنا هذا " عصر الكمبيوتر " ظهرت خوازيق عصرية مؤلمة ومحببة في نفس الوقت ! ، وقد تصل مدة عذابها إلي شهور أو سنوات ، أو لطول الدهر ، و متوفرة حالياً بأشكال وطرق وأساليب مختلفة حسب طلب وهوى كل شخص ، وكلها تتفق في خلق الألم  بالضحية " المخوزق " ، وللمدة التي يرغب بها أو لم يرغب .

تختلف خوازيق عصرنا عن سابقتها بشئ واحد ، وهو  إن المخوزق والجلاد حالياً هو الشخص نفسه .. وقد أطلقت علىه أسم : " جلخوق " ،  والغريب إن الجلخوق هو من يضع نفسه على الخازوق مراراً وبرضاه ، وأمام مرآى الناس ، ومع ذلك يستأنس بالألم ويأنس به !  وحتى لو  تأثر يوماً بالنزف والوجع لحافة الموت ، سيعود يوماً آخر وهو بكامل قواه العقلية والجسدية ليقف على الخازوق العصري مرة أخرى .. ولأكون أكثر وضوحاً ، سنضرب أمثلة عن  الخازوق العصري  ، وكم نوع من الجلاخيق " جمع جلخوق " يعيشون بيننا.

أخبرني أحدهم  " جلخوق " إنه معجب بخازوق الأسهم " البورصة " إلي درجة الشبق ، إذ عذبه منذ أن وقف عليه قبل ثمانية عشر سنة ، وإنه جرب خازوق أسهم أجنبي  وآخر  عربي ، ومازال يتألم ، ومازال الدم مازال ينزف ، ومع ذلك ، هو يأنس به وبألمه ، لأنه تكيـّف عليه .. كذلك علمت من " جلخوق " آخر ، إنه معجب بخازوق الديّن والسلف والشكاوي والمحاكم ، ولا يأنس إلا بدخول الشرطة كل شهر مرة ، وإنه يحب هذا النوع من الخوازيق التي سالت ماء وجهه ، وأيضاً علمت من صديق ، إنه يوجد عدة أنواع من الخوازيق الأجتماعية ، ومنها خازوق العظمة ، إذ يقضي الشخص " جلخوق " على نفسه ، ويصبح منبوذاً من عائلته ومجتمعه ، لأنه عظيم ولايخطئ ، مع إنه يتلقى عدة تحذيرات وصفعات ممن حوله ، بإنه سيتألم لو وقف على خازوقه ، لكن لايتعظ ،ويعيد الكرة ويقف على نفس الخازوق .

المشكلة مع خوازيق عصرنا ، إنها تكيّفت العيش معنا ، والعكس صحيح ، وأصبحت جزءاً من عالمنا وحياتنا ، وأنا هنا أقصد البعض ، وليس الكل  ، ولايمكن لبعض الجلاخيق العيش بدونها ، ولو  وضعته بعزلة في جزيرة ، سيصنع لنفسه خازوقاً من لاشئ !

الحقيقة التي تخجل حتى الشيطان ، كما قال أرسطو ، إن الحيوان عادة يتعلم من أول خازوق يخزقه ، كالحمار مثلاً ، فإن وقع في حفرة في طريقه ، ستجده يتحاشاها بالمرة الثانية ، حتى لو أغلقت عينيه .. أما الإنسان مع الأسف ، لايرده أي خازوق ، ولايتعلم من الخوازيق السابقة ، ولا من خوازيق خزقت غيره ، وخلاصة القول : السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اعتبر بنفسه .

روائي وباحث اجتماعي