أنقذوا الخليج الآن!

قبل سنوات، اشترى أحدهم أرضا مطلة على البحر وأقام عليها منزله، كان يستمتع بمنظر البحر من شرفة بيته، وبعد سنوات قليلة بدأت المسافة بينه وبين البحر تتسع شيئا فشيئا حتى صار يحتاج إلى الدوربيل ( المنظار ) كي يرى البحر، فما الذي حدث؟! هل تقلص البحر من تلقاء نفسه، أم تمددت اليابسة في حالة تثاؤب غير إرادية لتجد نفسها وقد طمرت البحر؟!

بالطبع لا هذا ولا ذاك، وإنما هو فعل الإنسان الذي اختار أن يدفن البحر وأن يستأصل النخيل ليقيم مكانها مخططات سكنية، وكأن البلاد تشتكي ضيق المساحة الصحراوية. هكذا وجدنا البحر يضيق شيئا فشيئا، والنخيل تنقص شيئا فشيئا لصالح التصحر.

كثير منا يتذكر القطيف ببساتينها الخضراء ومياهها المتدفقة والطيور التي كانت تأتيها من كل مكان، أما الآن فالجيل الحالي لا يعرف حتى أسماء النخيل أو أسماء الطيور لأنها وبكل بساطة لم تعد موجودة أو لم يبق منها إلا القليل. من يعرف المدقي والشولة والصوعة والفقاقة والمديري والشرياص والأشول والخطاف، نعم الخطاف الذي كان يملأ سماءنا في موسمه المعتاد؟!

كثير منا يتذكر القطيف ببحرها الأزرق الأخضر، الأزرق بمائه والأخضر بغابات أشجار القرم ( المنجروف ) التي كانت تغطي خليج تاروت الممتد من الدمام إلى رأس تنورة مرورا بسيهات وعنك والقطيف وتاروت والعوامية وصفوى ورحيمة، هذه الغابات التي تعتبر البيئة الخصبة لتكاثر الأسماك والربيان، والتي تلعب دورا هاما في التوازن البيئي – بحسب المختصين- من خلال امتصاصها للملوثات البحرية والهوائية وزيادة الرقعة الخضراء التي نحن بأشد الحاجة إليها، كما يمكنها أن تشكل أحد مقومات السياحة البيئية في بلادنا بما تمثله من حاضنات طبيعية للأسماك والطيور القاطنة والمهاجرة. أعتقد أن أهوار العراق والتي نالت اهتماما عالميا كبيرا بسبب ما نالها من تجفيف ليست بأغنى منها بيئيا.

لقد تعرضت هذه الغابات الطبيعية للتدمير والتخريب من خلال عمليات الردم المتواصلة التي لم تبقِ إلا القليل منها، وهذا القليل هو الذي تسعى الجمعية التعاونية لصيادي الأسماك بصفوى بكل ما أوتيت من قدرات وإمكانيات محدودة للمحافظة عليه، حيث جعلت هذه الجمعية ما تبقى من خليج تاروت قضيتها الأولى، رغم أن القضية يجب أن تكون قضية وطنية تعنى بها الجهات المسؤولة عن حماية البيئة والثروة السمكية. فأنتجت الجمعية ضمن نشاطاتها فيلما وثائقيا قصيرا بعنوان ( ما تبقى من خليج تاروت ) يمكن مشاهدته على اليوتيوب، يعطي فكرة عن غابات القرم وما تعرضت له من تعديات، كما خاطبت الجمعية المسؤولين وكل من يهمه الأمر منبهة إلى الأخطار المحدقة ببيئة الخليج البحرية ومطالبة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

من المؤسف حقا أن ثقافتنا البيئية ضعيفة جدا، فمناهجنا التعليمية في مادة الجغرافيا تتحدث عن الغابات في أستراليا وحوض الأمازون ولكنها لا تذكر شيئا عن غابات أشجار القرم التي تعيش بيننا، وقنواتنا الإعلامية تتحفنا بالبرامج المستوردة التي تنذرنا بقرب انقراض الباندا الأحمر والثور الأوروبي والفقمة، ولكنها لا تنتج شيئا عن انقراض مياهنا وبيئتنا وطيورنا وغزلاننا وأسماكنا وربياننا. لذا فليس من المستغرب أن نكون رغم الجفاف من أكثر الدول استهلاكا للمياه وكأن الأنهار تجري من تحتنا، وليس من المستغرب أيضا أن يكون اهتمامنا بالبيئة من حولنا في أدنى سلم أولوياتنا.

أخشى أن نستيقظ ذات يوم لنجد البحر بأسماكه وربيانه قد رحل عنا محتجا على ما فعلناه به وهو ينشد مخاطبا كل من ساهم في رحيله:

أعطيتَ بحرا ولم تحسن سياسته                 وكل من لا يسوس البحر يخلعه

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 5
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 12 / 7 / 2009م - 1:21 م
العزيز الاستاذ ابو احمد لقد وضعت يدك على الجرح و تكلمت بلسان المجتمع بأكمله لان ما يحدث الان كارثه بيئيه لو 10% مما يحدث ببيئتنا الان يحدث بأحدى الدول الاوربيه لقامت الدنيا و قعدت. للاسف ما يحدث الان مخطط له لتغير التركيبه الجغرافيه لهذه المنطقه من اهم ما تتمتع به هذه المنطقه المساحه البحريه الكبيره بحيث كانت القطيف مرسى للسفن و كانت القطيف واحة غناء . نعم حكم على هذه المنطقه ان تحاكم نتيجة ولائها لاتباع اهل البيت و صدر الحكم بحرمانها من جغرافيتها المهمه حتى لا تممتلك ثروه اقتصاديه تجعل منها قوه ضاغطه و تتحكم بمجريات الامور . نحن نضع ايدينا مع كل شريف و مع جمعية الصيادين بصفوى و لا بد ان تتحول هذه القضيه الى قضية رأي عام و تتحول الى قضيه بيئيه و حقوقيه و يجب ان تقطع ايدي النفعين
2
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 12 / 7 / 2009م - 1:26 م
تكمله لما سبق : نعم يجب ان تقطع ايدي النفعين الذي يفكرون بمصالحهم الشخصيه على حساب المصلحه العامه للاسف هؤاء يفكرون بكنز الاموال من وراء تحويل المساحات البحريه و الخضراء الى مخططات سكنيه بالوقت الذي يوجد به مساحات صحراويه مهماه تعمدا من المفترض ان تعمر بدل القضاء المساحات البحريه و الخضراء . و اخيرا الشكر لك يا ابو احمد لطرحك المهم و الجريء و لك مني كل تحيه
3
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 12 / 7 / 2009م - 10:15 م
أخي العزيز الأستاذ المستقل:
وأنت أيضا تعبر بقلم ضميرك عن مسؤوليتنا جميعا تجاه ما يجري لبيئتنا من انتهاكات صارخة.
يقول الشاعر المبدع أمجد المحسن:
ووارثين من الأشجار أجملها،
ما ورثوها وما أبقوا لهن أبا!
مما خطيئاتهم أهل العقار بها،
مقالع الظل أن يستثمروا الكثبا

تحياتي لحرفك النابض الحي.
4
المجدد
[ ام الحمام - القطيف ]: 13 / 7 / 2009م - 1:51 م
نعم لقلمك الحر الدي تكلم بكل ما يضمره ابناء هذا الوطن المقهور 000 فارجو من اصحاب الظمائر الحره ان تتكلم بكل جرأه وخاصه من المثقفين الدين تهمهم قول الكلمه من دون خوف 00 فأن صوت زينب عليها السلام بعد مقتل اخيها سيد الشهداء عليه السلام هو الدي اوصل صوت الحسين الى ان يرث الارض ومن عليها فشكرآ يا استادنا ابو احمد والى الامام والله يحفظك ويرعاك
5
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 14 / 7 / 2009م - 4:33 ص
الأخ العزيز المجدد: أشكرك على ما تفضلت به من منح مقالي بعض وقتك قراءة وتعليقا..
أتفق معك أن المسؤولية تقع على عاتقنا جميعا في المطالبة بحقوقنا المشروعة.
شاعر وأديب