القطيف: كسر «القدو»... فرحاً بـ«الربيع»

صحيفة الحياة القطيف – شادن الحايك

 

 

بادر مئات القطيفيين والقطيفيات، خلال الأيام الماضية، إلى كسر «القداوة»، التي تستعمل لتدخين التبغ، على غرار «الأرجيلة». ولا تندرج مبادرتهم تلك في الجهود التي تبذلها جمعيات وأشخاص لمكافحة التبغ. بل لإحياء عادة تعود إلى عشرات أو مئات السنين، توارثها سكان القطيف وخليجيون آخرون. ودأبوا على إحيائها مطلع شهر ربيع الأول من كل عام.

ويعتمد القطيفيون، عادة مصطلح «انكسر الشر»، حين ينكسر أي إناء في المنزل. إلا أن هذا المصطلح ارتبط أيضاً بعادة «كسر القدو»، في نهاية شهر صفر، كما أنهم يستقبلون بهذه العادة شهر ربيع الأول، الذي تكثر فيه مراسم الزواج والخطبة. ولا تقتصر عادة «كسر القدو» أو «كسر الشر» على أهالي القطيف. بل امتدت لتصل إلى دول في الخليج العربي. وفي بعض دول الخليج يقوم البعض بـ «حرق صفر»، وعدم الاكتفاء بكسر شره. وتقول أم وديع نهاب: «اندثر عدد من العادات القديمة. إلا أن عادة «كسر القدو» استمرت. ولا يزال سكان القطيف يعملون بها. وإن نسيها أو تغافل عنها كبار السن، فإن بعض الصغار يحيونها، وسط فرحة عارمة».

وإذا كان من النادر رؤية من يحيي هذه العادة في الأحياء الجديدة، إلا أن قاطني الأحياء القديمة يواصلون إقامتها. وتقول أم وديع: «ما إن تحين الليلة الأخيرة من شهر صفر، حتى يمكن مشاهدة عشرات «القداوة» مكسورة أمام منازل الأحياء، في إشارة لنهاية «شهر الشؤم»، مع ترديد أهازيج ارتبطت بهذه العادة، يقول مطلع إحداها: «يا أبو صفيرو صفر».

ولأن زهور الشبيب لم تكن تملك «قدواً» لكسره، لذا بادرت إلى قطعة فخار وكسرتها قائلة: «ربما ارتبطت العادة بـ «القدو»، لوفرته في عدد كبير من المنازل، على مستوى مدن محافظة القطيف وقراها، ورغبة صاحبته في تغييره، بعد مرور عام كامل على استخدامه. إلا أن والدتي تشير إلى كسر أي إناء فخاري، أو خزفي لكسر الشر، واستقبال شهر الأفراح (ربيع الأول)».

وتضيف زهور «سمعت مرات عدة، أن كسر الأواني كفيل بإفراغ شحنة الغضب الداخلي في الإنسان. ولعل ذلك من أبرز الأسباب التي تجعل الأسرة تجتمع لإحياء عادة «كسر القدو»، وسط ترديد أهازيج جميلة، أصبح الأطفال يحفظونها، وينتظرون حلول المناسبة، لترديدها. ومنها: «طلع صفر بشرته وشروره... جانا ربيع بفرحته وزهوره».

وتذكر أم محمد، وهي سيدة في العقد الثامن من العمر، أن «عادة طرد شر صفر، لم تكن مقتصرة على «كسر القدو» فقط، بل كانت تشمل إضرام النار في أعواد الخشب، إيذاناً بحرق صفر بنحسه، وبدء شهر ربيع الأول، إضافة إلى تبخير المنزل ببخور اللبان»، مُستدركة أن هذه العادات «اندثرت ولم نعد نراها. وبقيت عادة كسر القدو»، مضيفة «شهدت طرد شر صفر في مملكة البحرين. وكان لا يختلف عنا كثيراً. إلا أنهم كانوا يحرقون عصا جريد النخل، ويلفون الخيش في نهايته، ويشعلونه، ويتم التلويح بها، وترديد الأهازيج «حرقناك يا صفر... يا أبو المصايب والكدر». فيما يسكبون الماء الحار أمام باب المنزل، لطرد الشر»، لافتة إلى أن عادة طرد صفر «ليست مختصة بدولة خليجية معينة، بل منتشرة على مستوى الخليج». «جوّده، لا تهدّه»، عبارة ارتبطت في شهر صفر ونهايته أيضاً، وهي تعني «امسك به، ولا تفلته». وهي شبيهة بـ «كذبة أبريل». إذ يقوم الشخص بسرد كذبة على شخص، وحال تصديقه إياها، تتعالى الضحكات، وترديد عبارة «جوّده لا تهدّه، خله يتعشى وياك» أي «دعه يتعشى معك».

وعلى رغم تشديد البعض لأن تلك العادات «ليس لها أي جذور دينية». فيما لا يستسيغها البعض الآخر؛ يتمسك الأهالي بها لأنها «تعيدنا إلى جذورنا وتذكرنا بالماضي، بكل ما فيه من أفراح وأحزان».