هل نحن شعب مدمر؟!

 

 

عندما يطل علينا بين الفينة والأخرى من يحرقون الشهادات أومن يمزقونها بعد سنوات من الجهد والطموح والعناء، وهو ما شاهدناه يحدث من قبل وقد تكرر مؤخراً ، ألا يضع ذلك الفعل بين أيدينا ألف سؤال وسؤال عن تلك الشهادات والكفاءات المعطلة في هذا البلد، و(واحداً من الأسئلة الهامة والصعبة)، إن لم يكن أهمها على الإطلاق؟!.

لا شك في الحقيقة، أن هناك خللاً قد أصابنا في مفاصل مهمة من حياتنا المحلية المعاصرة. فلقد قضت علينا المحسوبيات، ومزقتنا الشهادات المزورة، واحتلتنا العمالة الأجنبية التي صدرت ثرواتنا للخارج ونافست شبابنا في كل خرم إبرة، وأصابنا إفلاسنا في التخطيط في مقتل ... الخ. فارتقى الإحباط في النهاية كواهل شبابنا، الذين باتوا يرددون بينهم منذ مدة، بصوتٍ مسموع والأصم فعلاً من لم يسمع ذلك الصوت، وهو: "الشهادات ليست لها قيمة، حتى لو كانت شهادات مبتعث أو مبتعثة".

إنها ثقافة مريضة وخطيرة جداً بلا شك تحتلنا، ولا يمكن أن تعبر إلا عن الدمار، ولا يمكن أن تعني إلا الخراب. كما لا يمكن اعتبار ممارسات حرق الشهادات تلك، إلا جرائم نكراء وإساءات بحقنا وبحق الأجيال القادمة وبحق هذا الوطن الغالي على قلوبنا جميعاً ... لكن - في الحقيقة - متى؟!!!!.

وضع تحت (متى)، خطاً وألف خط.

فإنها جريمة نكراء: لو كانت أمورنا (تمام التمام).

وإنها جريمة نكراء: لو كان التقدير والتقييم يأتي بناءً على الكفاءات لا على المحسوبيات.

إنها جريمة: لو كان ابن البلد يوظف ويطور، والأجنبي ينتظر في الطوابير الخلفية، لا العكس.

إنها جريمة: لو كان الخريج يعد لوظائف حقيقية موجودة فعلاً فوق أرض الواقع، ثم يجد نتيجة جهده وتعبه بشكلٍ مباشر وعادل ومناسب في نهاية المطاف بعد التخرج، حين يوظف فعلاً وفق ما يعد له، لا وفق تعيينات تلفيقية وعبثية.

إنها جريمة: لو كنا نفتح الجامعات والتخصصات وفق احتياجات سوق العمل، لا ليخرج الخريج إلى اللا عمل واللا احتياج واللا وظيفة.

إنها جريمة فعلاً: لو كنا قد حللنا مشكلات التوظيف، كي لا يبقى الخريج سنوات يشحذ الوظيفة ... ثم في نهاية المطاف نخبره أن شهادته وجهد السنوات قد أصبحا بلا قيمة بسبب قدم الشهادات!!!.

إنها جريمة: لو كان الخريج يجد بديلاً عن شهاداته لا تسيطر عليه عصابات ومافيا العمالة الوافدة ... الخ.

لكن الخلل كبير وكبير جداً ويكاد يتحول إلى طوفان، وهو يتسع يوماً بعد يوم على راقعيه، رغم توظيفنا لآلاف الخريجين القدماء في الفترات الأخيرة، ورغم الجهود المشكورة التي يبذلها بعض صناع القرار، والخيرة من المسؤولين الحريصين على حماية المواطن والوطن.

وإن السبب في جانبٍ منه، هو أن جامعاتنا تكذب منذ البداية وتشاركنا في الكذب على الطالب والطالب الجامعي، لترسم للخريج وأمامه الأوهام الوردية والأحلام العجائبية، حين تعلق أقسامها وكلياتها مثلاً لوحات إرشادية مضللة حول سوق العمل فتضع أمام طلابها مستقبلاً (ولا في الأحلام)، وليس موجوداً فوق أرض الواقع وساحات التوظيف، فتقنع الطلبة المساكين، حديثي السن وقليلي الخبرات، أن حامل شهادة تخصص ما سيوظف حتى ولو في المريخ ... حتى لو كان التخصص في بلدنا واقعاً متوفى دماغياً أو مصاب بالسكتة القلبية.

وفي الواقع في نهاية المطاف، سيجد الطلاب والخريجون بعد التجربة والمعاناة وسنوات من العمر والجهد، أننا نعاني خللاً مزمناً في الربط بين مخرجات التعليم وسوق العمل، ووزاراتنا النائمة تستيقظ كل عدة سنوات لتغير لشبابنا فجأة مسارات وخطط التوظيف بصورة صادمة، ولتضع فجأة الكثير من الشهادات والكفاءات المطلوبة اليوم وبصورة مفاجئة وصادمة على الأرفف غداً أو بعد غد، بل لتضع أصحابها على قارعة الطريق وفي دوامة البطالة والمعاناة في نهاية الأمر ... بعد أن تكون في الماضي قد شاركت في إدخال الجميع في فيلم رائع من الأحلام وقناعات التوظيف.

ترفض كلياتنا وجامعاتنا، أو هكذا وجدناها تفعل في سنوات ماضية وأحسبها تفعل هكذا اليوم أيضاً، قبول طلاب معدلاتهم مرتفعة في تخصصات هامة يحتاجها البلد كالطب والصيدلة وطب الأسنان وهندسة وعلوم الحاسب ... الخ، رغم الاحتياج والوفرة، وترسل هؤلاء الطلاب بطرق فرز عقيمة ومريضة لتخصصات ليست لها قيمة أو حاجة حقيقية وماسة في سوق العمل. وكأن عقول شبابنا عقيمة!!!، أو كأننا نتقصد واقعاً تقديم خدماتنا المجانية للشهادات الوافدة وللعمالة الأجنبية، التي تنظر ومن حقها أن تنظر لهذا البلد الواقع في هكذا مصيبة، على أنه أرض الأحلام بالنسبة لها!!!!.

ورغم احترامنا للعمالة الوافدة الجيدة والمخلصة ... لكن أين ابن البلد؟!!! ... ولماذا الباب مشرع هكذا حتى لأصحاب الشهادات المزورة؟!!! ... ولمن يحتلوننا بطرق المافيا؟!!!.

وهكذا، فنحن فعلاً ندمر الكفاءات وقيمة الشهادات، ثم نلقي بالضحايا في أرض جرداء، ونحملهم اللوم أيضاً. وبهذا الفعل غير الحكيم وغير الحضاري، نصنع وسنصنع مهزلة حقيقية ستدمر في النهاية لا سمح الله كل الوطن.

لذا فعلينا اليوم أن نطلق صافرات الإنذار، حتى لو جاءت متأخرة كثيراً، وبعد أن غرقنا في المشاكل وأغرقتنا الإشكالات. بدل أن نلوم من يحرقون تلك الشهادات، التي أصبحت اليوم بسبب تخبطاتنا وسوء تخطيطنا أو عدم التخطيط أصلاً، وبسبب بعض الخطط والقرارات الارتجالية من بعض الوزارات: (شهادات بلا قيمة).

واسألوا (البديلات المستثنيات) (وخريجات الكليات المتوسطة) وغيرهن من أصحاب الكفاءات المدمرة والمحطمة في هذا الوطن ... ولا تتوقفوا عن السؤال فأسئلة الوطن كثيرة.

يوتيوب - عاطل يحرق شهادته:
https://www.youtube.com/watch?v=K7Soq2sfqVk