أسرة واحدة .. وطن واحد !


 

لم يكن اعتناق أهل المنطقة الشرقية خوفاً أو وجلاً عندما وصلتهم رسالة من النبي صلى الله عليه وآله وصحبه الكرام إلي أميرهم حينذاك المنذر بن ساوى ، أمير بلاد البحرين ، وهو مسمى سابق للمنطقة الشرقية وجزيرة أوال ، حيث كان المنذر يقطن بأطراف أحدى القرى من الأحساء ويحكم مادون القرين ( الكويت ) شمالاً حتى حدود البريمي ( الإمارات ) جنوباً إلي الشاطئ  حتى جزيرة أوال ( البحرين ) ، وكان مسمى البلاد أيام فجر الإسلام بالبحرين كما عرفها المؤرخون وذكرها البخاري ، ومن ثم عرفت بالأحساء ، وقد ذكر إن بها أول مسجد أقيمت به ثاني جمعة بالإسلام ، وهو مسجد جواثاً بالأحساء ، وكذلك ذكر المؤرخون بعظمة خراج البحرين المرسل إلي بيت مال المسلمين ، إذ كان يعادل خراج نصف بيت المال .

 لقد دخلوا الإسلام بورقة تملأها بضع كلمات ، لكن هذا إذا دل فإنما يدل على ثقافتهم وعقليتهم وطيبة قلوبهم ، ورجاحة وبعد تفكيرهم ، ولم يتعنتوا ويصروا على البقاء فوق أثار عبادة أجدادهم ، وقد عاش أهل المنطقة أربعة عشر قرناً ، بحب وسلام ، مع اختلاف مذاهبهم ونحلهم وأفكارهم .

ففي الأحساء يوجد الشيعة الإمامية ، والسنة الشافعية والمالكية والحنبلية ، وغيرهم ، وهم إخوة متحابون ، ومتفاهمون ، ومتصالحون ، ومتجاورون بالسكن والعمل ، فترى جدران بيوتهم متلاصقة ، كتلاصق قلوبهم ، وسعف نخيلهم متعانقة تتمايل مع رياح المحبة و الوئام التي تهب من مدنهم وقراهم .

وهذا ماهو عليه الحال بزماننا هذا ولله الحمد والمنة ، وفي عهد القيادة الحكيمة بالمملكة العربية السعودية ، تجد أهل المنطقة لم يبرحوا إيمانهم وحبهم لأخوتهم ووطنهم بالمصالحة والمفاهمة ، والعيش بذكاء اجتماعي مع إختلاف المذهب ، وهذا لا خلاف ولا غبار عليه ، وهو الإسلام الحقيقي وجوهر الإنسانية الحقة ، إذ لا عيب في أن أختلف معك مادمنا نحترم ونحب بعضنا ، ولا يقصي أحدنا الأخر ، وهذا السلوك لم نأخذه من بعيد ، بل ما ورثناه وتعلمناه من سيد الخلق ومعلم البشرية ، النبي العظيم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وصحبه الكرام ، إذ لم يكن خلاف لديه بأن يجاور يهودياً أو نصرانياً ، ويعوده في مرضه ، ويسأل عنه في حله وسفره ، فما بالك بمن يشاركك الدين والوطن والرزق والقبلة والهواء ، ويلازم كتفك بالصفا والمروة ، ويتدافع معك بالطواف ويدرس ويعمل معك !

الحمد لله على وجود تلك الأرواح الجميلة والطيبة ، فكل أهل المنطقة إخوة بالعرق والنفس ، فلم يولد أحد من كمأة ، فكلهم أبناء الضاد ، وكلهم أكلوا الأقط والتمر ، وكلهم شربوا من عيون واحدة ، وتجاوروا بالسكنى والقبور .

وإن حدثت هنا أو هناك بعض الإشكالات والمواجهات الفردية ، والشخصية ، فهي كوقـوع حصحصة فوق جبل كبير أشم ، وهو جبل الحب والتفاهم والإخوة والمصالحة ، من أجل دين واحد ووطن واحد ، فهنيئاً لهذه الأرض الطيبة أنتم ، وهنيئاً لكم هذا الوطن الجميل ، ولعن الله كل من يريد بنا سوءاً ، ولنكن جداراً منيعاً أمام كل الظروف المعاكسة ، وليحمي الله وطني بأهله الطيبين .

حتى باليت الواحد يوجد أختلاف ، وحتى أنا أختلف مع نفسي ، وحتى أنت تختلف مع زوجتك ، وهذا أمر طبيعي ، والكل يعبد الله نحو قبلة واحدة بتكبيرة واحدة ، مع وجود الإختلاف الجميل المحتوي لا المنفر ، فأنا أجمع بصلاتي ، وأنت تفصل ، وكلنا نعبد الله  الواحد القهار .

في بيتنا عبدالله ومحمد ، وكذلك في بيتك ، فيا له من اختلاف جميل .. ولنعتبر أنفسنا ومصيرنا كقلم الرصاص ، تبرينا عثراتنا وظروفنا ، لنكتب مستقبلاً بخط أجمل وتفكير أفضل ..  فلنبتسم لأرواحنا وللوطن ، ولنؤمن مستقبل أولادنا .

روائي وباحث اجتماعي