الحراك الثقافي ... في أروقة الحوار الوطني السادس في الدمام

 

 

قرابة السبعون شخصية من نساء ورجال هذا الوطن من مثقفين وإعلاميين ومحامين وناشطين ورجال دين بارزين ... الخ، استضافهم فندق الشيراتون بالدمام في يومين مميزين تحت مظلة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وتحت عنوان (الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي) الذي تفرعت عنه أربعة محاور، وكان ذلك يومي الثلاثاء والأربعاء ٩ - ١٠ ابريل ٢٠١٣ م.

كان اللقاء طبعاً ثقافياً، ومن أشكل المشكلات كما يقولون توضيح الواضحات، وهو أقرب جواب توضيحي للرد على كل من سأل أو سيسأل (وماذا سيفيد هذا الحوار؟ وماذا سينتج عن هذا اللقاء؟)، فالمؤتمرات الثقافية ليست مجالس وزارية ولا أجهزة تنفيذية ولا تشريعية ولا محطات لتوليد الكهرباء أو لتحلية المياه أو نقاط لبيع وتعبئة الوقود ولا مصانع لإنتاج السلع والأجهزة أو الأغذية ... الخ، كما قد يطلب أو يتصور أو يتوهم البعض ممن لازالوا عالقين في الماضي وحدوده الضيقة ليعيشوا عقلية عصر دولة الفرد أو القبيلة التقليدية أو أي شكل آخر يتصورونه أو يستوعبونه أو يتوهمونه من أشكال الدول التقليدية التاريخية الأخرى التي تتخذ فيها القرارات عبر مجالس القبيلة أو لقاءات وجهاء وزعامات ورجال الدولة بعيداً عن أية إعتبارات وظيفية أو تنظيمية أو تقنينية أو بحثية موسعة وتفصيلية.

إنه لقاء ثقافي رسمي، ولذا فقيمته من جهة تكمن في طبيعته بعيداً عن كونه تحت مظلة جهة حكومية، أي في قيمة الثقافة والمثقفين في المجتمعات القديمة والمعاصرة من حيث دورهم في صياغة بنية المجتمع وتحديد توجهاته ودينامياته بقدراتهم وامتيازاتهم الفردية الفذة، وعلى من يشك في تلك القيمة وذلك الدور أن يراجع ذاته وثقافته.  ومن جهة أخرى، فلا شك أن هذا اللقاء محتضن رسمياً، ولذا فإن صوت هذا اللقاء وربما خبايا أحاديث أروقته أيضاً، هي في الحقيقة في مرأى ومسمع من قبل المسؤولين ذوي العلاقة ممن لهم وزنهم ودورهم في مواقع القرار، أو بعضهم أقلاً ممن ترفع إليهم توصيات هذا المجلس.

ومن جانبٍ آخر، فإن التقاء المثقفين والنخب وتعارفهم وتبادلهم مختلف الآراء هي ثروة وطنية بحد ذاتها لهم ولبقية فئات المجتمع، خصوصاً إذا نظرنا إلى أن هؤلاء المثقفين لهم دورهم وتواصلهم المستمر مع الشارع ومع مختلف شرائح المجتمع، فهم دينمو التفكير في مجتمعاتهم، وهم من يمتلك دفة الأفكار في المجتمع، على الأقل في بعض القضايا والجوانب الحساسة.

 وقبل أن أنتقل لأي نقطة أخرى، أحب أن أقول للذين يعترضون على الدور الثقافي وعلى اللقاءات الثقافية: إذا كانت الثقافة واللقاءات الثقافية لا تؤثر ولا قيمة لها، فما الذي يصنع ذلك الإرهاب والعنف الذي يدمر حياة الإنسان؟ أو ينأى بها عن العنف؟!!!. وما الذي أراده الله سبحانه أيضاً من حواره مع ملائكته؟!!!، وكذا مع الشيطان؟!!! ومن إرساله سبحانه أنبياءه لدعوة وحوار البشر؟!!!.

ولو عدنا هنا للقاء وطبيعته وانطباعاتي الشخصية عنه بصفتي أحد المدعوين والمشاركين فيه، فقد كان لقاءً وطنياً خاصاً ومميزاً كما رأيته، كشف من خلال جلساته خصوصاً جلسات اليوم الثاني الأكثر سخونة، عن سقف حرية مرتفع جداً، يؤكد ما نشهده في جوانب أخرى من هذا الوطن، فقد تم التطرق في جلسات اللقاء عبر إشارات واضحة وصريحة لخطاب الشيخ سلمان العودة الأخير ولقضية المشاركة السياسية ولقضية المساجين وقضية الفقر والبطالة ولبيان هيئة الإتصالت وتم التلميح لبعض الأجهزة الرسمية التي تنشط في مواقع الإنترنت وعبر مواقع التواصل الإجتماعي الإلكتروني بشكل واضح ومفهوم ... الخ، وكان ذلك ولله الحمد بحس وطني واضح وبارز لا يخفى على أحد.

وقد فجرها الإعلامي والكاتب المميز الأستاذ عبدالله المديفر بأسلوبه الكوميدي الجريء والساخر في وجه اللجنة المنظمة الموقرة: (هل منعتم البث المباشر؟!). فكان التصفيق الذي ضجت به القاعة. وطبعاً فقد كان للجنة المنظمة الموقرة بعد فترة ... جوابها ورأيها.

إن أهم ما لفت نظري في هذا الحوار، وأرى من الواجب وطنياً التأكيد عليه، هو أن تحتضن هذه الجرأة والحرية تحت سقف قبة رسمية، ما يعني الاستيعاب الرسمي للمرحلة، وتقبل وتفهم المسؤولين في الدولة للخطاب الوطني الإصلاحي الشفاف والجريء والواضح والصريح ... البعيد طبعاً عن التجييش والشحن العاطفي والمثالي ... للشارع عموماً وللجمهور المحتقن بشكلٍ خاص.

وهذا الإحتضان من قبل الدولة يعد بالنسبة لي مؤشراً كافياً للقول بأن المسؤولين في أعلى المراتب مستعدون لتفهم كل خطاب وطني جريء وواضح وصريح يتفادى التحريض على العنف والتجييش الذي لا يؤدي إلى الإنضباط ولا يقود لنتائج إيجابية تخدم الوطن والمواطن.

ولذا فإنها دعوة هنا، لتفهم الطبيعة الأمنية لبعض خطاباتنا الثقافية الحادة، التي يجب الحذر منها ومن ويلاتها، وهي دعوة أيضاً من الجهة الأخرى للحوار الوطني الجريء والصريح والشفاف والصادق والواضح، الذي ينشد الإصلاح بهدوء وروية وعقلانية ... فالفساد موجود وربما نكون فوق كومة فساد يصعب التعامل معها مالم تعتمد الآليات العصرية المعروفة المناسبة لذلك لتضع الفساد تحت المحاسبة الجادة ... لكن قابلية الإصلاح وعقلانية بعض المسؤولين والنخب موجودة أيضاً وهي الأمل في الوصول لبر الأمان والسلام بهدوء ... والسلام.