ندوة الأخلاق والدين .. قراءة فكرية وفلسفية

شبكة أم الحمام القطيف- علي آل دبيس
أرشيف


في أمسية من أمسيات الدمام الرمضانية، استضاف مركز الأمير عبدالمحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية الأستاذ سليمان الصيخان في ندوة بعنوان: الأخلاق والدين .. قراءة فكرية وفلسفية.

وحيث أن موضوع الندوة عالم متسع وبحرغزير متشعب، حاول الضيف الصيخان بإيجاز قراءة مدارس الأخلاق في الفلسفة الغربية، وثم مقارنتها مع منظور الأخلاق في التراث الإسلامي وأبدع في إيجاز ذلك وأفاد. وفي هذه المقالة أحاول استعراض أهم محاور حديث الضيف الصيخان خلال الندوة, مع الشكر الجزيل لمنظميها.

يُقدّم الصيخان الأخلاق بأنها موضوع مركزي في المجتمع الانساني، ويبدأ مدخله في شرح ماهية الأخلاق بالتساؤل الفلسفي القديم والعميق: ماهو الفرق بين الانسان والحيوان؟ يُفصّل هنا الصيخان اختلاف المدارس الفلسفية في إجابة هذا التساؤل، حيث يرى أرسطو بأن الإنسان ماهو إلا حيوان عاقل ناطق، بينما ديكارت يُضيف خاصية الإحساس للإنسان بخلاف الحيوان الذي يراه مجرد آلة لا أكثر، بعد ذلك ينتقد هذه الرؤية الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو حيث أنه يُميز الإنسان بقدرته على تجاوز حدود الطبيعة وأنه كائن حر بعكس الحيوان، وصولاً في هذا المنهج إلى أن الإنسان كائن أخلاقي.

الأخلاق والدين .. في الفلسفة الغربية :

بعد هذا المدخل الفلسفي، صنّف الصيخان مدراس الأخلاق في الفلسفة الغربية إلى أربع، وفي قراءة موجزة لهذه المدارس، حيث الأولى: مدرسة الفضيلة (الأخلاقية العقلانية) ونشأت من المدرسة اليونانية، بتأسيس من الفيلسوف أرسطو، وتتمثل هذه المدرسة بفكرة الإثم، حيث يُعرّف أرسطو الفضيلة بأنها وسط بين رذيلتين. أما الثانية: مدرسة النفعية (الأخلاقية الكمية) ونشأت من المدرسة الإنجليزية، ومن أحد منظريها الفيلسوف الاسكتلندي هيوم، وتتمثل بأن الأخلاق هي المنفعة العامة، وأن القيم الأخلاقية هي ضمن انتفاع الانسان من الفعل، وتطرق الصيخان هنا إلى إشكالية الأنانية الفردية وتضادها مع الأخلاق في هذه المدرسة مُعرفاً إياها بأنها مصلحة خاصة، تجاهل للآخر وإشكالية النفع حسب المركز، ويرى أيضاً هنا الفيلسوف هيوم بأنه لا صلة بين الأخلاق والدين. أما الثالثة فهي : مدرسة الأمر الواجب (الأخلاقية العلمانية) ونشأت من المدرسة الألمانية، بتأسيس من الفيلسوف كانت، وتتمثل بأن الأمر يكتسب قيمة لذاته لا لشيء آخر، ومصدر الأمر هو الإرادة، وقد تأثرت هذه المدرسة بالمسيحية، حيث ترى بأن المسيحية مصدراً للأخلاق، يؤكد على ذلك رؤية كانت ترى بأنه مادامت هناك أخلاق فلابد أن يكون وجود للإله، وتقسيمه للمسلمات الثلاث: خلود النفس، وجود الله والآخرة. أخيراً الرابعة: مدرسة الأمومة / النسوية، وهي: من مدارس العصر الحديث تتمثل في فكرة الرحمة، الحب والإيثار بين المجتمع. وترى هذه المدرسة بأن العلم والأخلاق تكونا بطريقة ذكورية.

الأخلاق والدين .. في التراث الإسلامي :

يبدأ الصيخان بحثه هنا، بأنه لا وجود لمصطلح الفضيلة في القرآن والسنة، بخلاف مصطلح الأخلاق "وَإِنَّك لَعلَىَّ خُلقٍ عَظِيِّم"، كما يؤكد على أنه في المنظور الإسلامي لا يمكن تأسيس أخلاق بدون دين، مستشهداً بمقولة المفكر الإسلامي علي عزت بيجوفيتش "يوجد مُلحد أخلاقي، ولكن لايوجد إلحاد أخلاقي". إلا أنّ الصيخان ينتقد تهميش فلسفة الأخلاق في الفقه الإسلامي حيث أنها تُصنف ضمن مرتبة الكماليات في النظرية المقاصدية والأحكام الفقهية بشكل عام، بخلاف مكانة الأخلاق وأهميتها في النصوص القرآنية وأحاديث السنة النبوية الشريفة، والتي دائماً ماتكون على طريقة السردية القصصية، حيث يرى بأن الأخلاق لا تُعلم بشكل نظري؛ لأنها تُعلل وتفقد قيمتها. أما عن الإشكالية في المنظور الفقهي تكمن بالتوصيف النظري بين الأخلاق والأحكام والذي أعطى الأخلاق نوع من المادية، مستشهداً على ذلك بتعريف النكاح في الفقه. في الجانب الآخر يؤكد الصيخان بأن الأخلاق في التراث الإسلامي دائماً ماكانت مرتبطة بالروح حيث أن الدين يُخاطب النفس، وما إن الدين إلاّ وجه آخر للأخلاق.

ختاماً، يؤكد الأستاذ الصيخان على أن طرح السؤال الفلسفي في الأخلاق وتفكيكه سواء في الفلسفة الغربية أو التراث الإسلامي هو ضرورة مُلحة؛ لاستيعاب هذه الرؤية العميقة.