لغات الحب للصغار (1)


حقائق أربع في غاية الأهمية ينبغي إدراكها في تربية أطفالنا. الأولى أن ما نستثمره فيهم وما نفعله لأجلهم هو استثمار في الذات وللذات أيضا. ولا أدل على ذلك من قول الله تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) الإسراء:7. فالآية صريحة في أن كل إحسان نفعله وفي أي مستوى ولأي أحد هو في واقعه لأنفسنا، وكذلك كل إساءة أيضا. فإذا أردنا أن نحصد منهم حبا، فلنزرع فيهم الحب. وإدراك هذه الحقيقة يجعلنا نفكر بشكل أعمق فيما نقوم به، كما سنكون أكثر تحملا للمسؤولية تجاه أبنائنا وبناتنا.

الحقيقة الثانية: لكل طفل خزان حب يحتاج إلى تعبئة مستمرة، كي يكون له وقودا في نشأته ومسيرته. وإذا لم يتحقق له الإشباع العاطفي من داخل الأسرة، فقد يلجأ لاحقا إلى مصادر أخرى غير آمنة لملء الفراغ العاطفي لديه.

الحقيقة الثالثة: الحب غير المشروط هو وحده الذي يكون له مفعول السحر في الطفل. والمقصود بذلك أن يشعر الطفل بحبنا له في كل الأوقات، وليس في وقت تفوقه وتميزه فقط. إذ حتى لو أخفق فإننا نحبه أيضا ولن نتخلى عنه، ولذلك نسعى بكل حب لمساعدته في حالة الفشل لو حدثت.

 الحقيقة الرابعة: أنه كما تتعدد لغات الحب بشكل عام كما ذكرنا في المقال السابق، فإن لكل فئة عمرية لغتها الخاصة بها ضمن إطار لغات الحب الخمس. وهذا أمر ندركه بالوجدان حين مخاطبتنا للصغار، إذ لو تكلمنا معهم بلسان الكبار فإنهم لن يفهمونا، وبالتالي لن يتفاعلوا أو يتواصلوا معنا. ولعل هذا بعض ما يشير له الحديث الشريف المروي عن رسول الله : من كان عنده صبي فليتصابَ له.

بعد هذه المقدمة نعود للحديث عن لغات الحب الخمس وتطبيقاتها الخاصة بالأطفال من أجل إتقانها وممارستها بعفوية وتلقائية مع أهل البراءة النقية والقلوب الزكية. وسنتناولها بالترتيب السابق مستفيدين من كتاب (لغات الحب الخمس عند الأطفال. تأليف جاري تشابمان وروس كامبل):

1-   لغة التوكيد (Words of Affirmation)

حفيدتي ذات العام الواحد ترتاح كثيرا عندما نقول لها عند قيامها بشيء ما: (شاطرة، صفقوا ليها)، بل إنها تنظر في من لم يصفق لها كأنها تطلب منه أن يفعل ذلك. تفاعلها مع لغة التوكيد والتعضيد في هذه السن المبكرة يشير إلى أهمية هذا النوع من لغات الحب عند الأطفال. فمن خلال لغة التوكيد يمكن تعزيز السلوك الإيجابي وزرع القيم النبيلة في الطفل، كما إنها تساعد على بناء ثقة الطفل في نفسه. المهم هنا أن نختار الكلمات البسيطة المصحوبة بلغة جسدية متناغمة معها.

2-   لغة اللمسات (Physical Touch)

الضم والتقبيل والاحتضان وقذف الطفل بلطف وعناية في الهواء والدوران به عدة دورات وغيرها من اللمسات الجسدية الحانية تعبر عن لغة حب راقية جدا لا يجيدها كل أحد.

فعنه لما قبل الحسن والحسين فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم. فقال : ما عليَّ إن نزع الله الرحمة منك! أو كلمة نحوها.

الطفل يفرق بين حضنة الحب وحضنة التوتر والعصبية، وبين لمسة دافئة وأخرى باردة. كما أن جسده يستجيب لذلك أيضا. فقد نقلت صحيفة القدس في تاريخ 30 يناير 2012 ما يلي: قال علماء من أميركا إن رعاية الأم لأبنائها تنعكس على حجم المخ لديهم. وقال العلماء في مجلة "بروسيدنغز" التابعة للأكاديمية الأميركية للعلوم اليوم الاثنين إن حجم منطقة الحُصَين المسؤولة عن الذاكرة والعواطف والسيطرة على الإرهاق الذهني تكون كبيرة لدى الأطفال في سن المدرسة عندما يتمتع هؤلاء في طفولتهم برعاية أكبر من قبل أمهاتهم.

البقية نتركها للجمعة القادمة.

دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا.

 

شاعر وأديب