تأصيل الشعائر الحسينية (7)

 

 

الحلقة السابعة : زيارة الأربعين .

تتوجه الملايين من النفوس الطيبة للموالين لأهل بيت العصمة عليهم السلام هذه الايام بكل شوقٍ وولاءٍ لزيارة الامام الحسين عليه السلام  في أربعينيته ؛ لكي يجددوا الولاء والبراءة من أعداءه وقاتليه وظالميه .

ولا نضيف شيئا جديدا حينما نقول بأن هذه الزيارة من احدى شعائر المذهب وتعظيم شعائر الامام الحسين عليه السلام ؛ لارتباطها به عليه السلام ورجحانها شرعاً وذلك لما ورد من الأخبار المعتبرة في كونها مندوبة ومن علامات المؤمن بالمعنى الأخص ايضا.

فقد أفرد المحدّث الحر العاملي قدّس سره الشريف بابا  في وسائل الشيعة في تأكد استحباب زيارة الحسين ( عليه السلام ) يوم الأربعين من مقتله ، وهو يوم العشرين من صفر المظفر:

1 - محمد بن الحسن قال : روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام أنه قال : علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسين ، وزيارة الأربعين والتختم في اليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم . 

2 - وعن جماعة عن التلعكبري ، عن محمد بن علي بن معمر ، عن علي بن محمد بن مسعدة ، والحسن بن علي بن فضال ، عن سعدان بن مسلم ، عن صفوان الجمال قال : قال لي مولاي الصادق عليه السلام في زيارة الأربعين تزور ارتفاع النهار وتقول : السلام على ولى الله وحبيبه . . . وذكر الزيارة " إلى أن قال : - وتصلي ركعتين ، وتدعو بما أحببت وتنصرف .

3 - وروى أيضا في ( المصباح ) أنه في يوم العشرين من صفر كان رجوع حرم الحسين عليه السلام من الشام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله إلى زيارة الحسين عليه السلام ، وهو أول من زاره من الناس . 
وإذا نظرنا للرواية الاولى المشهورة المنقولة عن الامام العسكري عليه السلام في علامات المؤمن نجد هناك من سُلب التوفيق في الولاء لأهل البيت عليهم السلام يشكك باستحسانات واهية وباردة وانتقادات خاوية في هذه الرواية التي اصبحت مورد قبول وتسالم عظيم عند فحول فقهاء الطائفة الحقة غابراً وحاضراً ، فيصرف الرواية عن ظاهرها الذي يفهمه منها العامي قبل الفقيه ، فيقول أن من علامات المؤمن (زيارة الاربعين) أي أربعين مؤمناً !!! ومن ابجديات طالب العلم ان يعلم أن كل ظاهر حجة وصرف الكلام عن ظاهره الحجة يحتاج لقرائن سليمة عن المحاذير تصرفه عن ظاهره وإلا اصبح من الاستحسان الذي ليس من أصول الاستدلال في مدرسة أهل البيت عليهم السلام .

وقد أجاد المحقق السيد العلامة جعفر مرتضى العاملي في رد مثل هذا القول بقوله :

(فنقول : إنه لا يصح قول بعضهم : إن المراد هو زيارة أربعين مؤمن ، فإن ذلك ليس من العلامات المميزة للمؤمنين عن غيرهم ، إذ هو مما يقوم به جميع المسلمين. بالإضافة إلى أنه لو كان المراد هو زيارة أربعين مؤمناً ؛ لكان المناسب حذف الألف واللام ، فيقول : ‹ زيارة أربعين › . ومن جهة أخرى ، فإننا وإن لم نطلع على سند صحيح لهذه الرواية ، إلا أن من الواضح : أنه قد ورد في النصوص الأخرى ما يدل على تشريع هذه الأمور جميعها ، وأهميتها في الإسلام . فلا نجد ما يدعو إلى رد هذه الرواية ، فضلاً عن الحكم عليها بأنها موضوعة ).
 
أقول : مراده من أنه لم يطلع على سند صحيح لهذه الرواية تبقى مسألة مبنائية على حسب ما يتوصل له المجتهد في علم الرجال وإلا يمكن ان تكون الرواية على بعض المباني الرجالية معتبرة ، وعلى كل حال لا يمكن طرح الرواية لمجرد عدم وجود سند صحيح لها ، خصوصا لو قلنا بالمبنى المنصور من ثبوت قاعدة التسامح في أدلة السنن ، وهذه الرواية إحدى مفرداتها .

وليت شعري أن من صرف هذه الرواية عن ظاهرها لا أظن أن له باعا في علم الرجال وإنما هي أذواق واستحسانات لما يكنّه من توجه خاص يجعله يلوي النصوص عن ظاهرها لتنسجم مع توجهاته ، وهذه من مشكلات العصر لبعض المثقفين الذين لا تروق لهم بعض النصوص الشريفة .

وقد وردت روايات صحيحة عن أهل البيت عليه السلام في هذه الحالة  منها : صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: قال سمعته يقول أما والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم بحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالاً، وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا، ويروى عنا، فلم يعقله، ولم يقبله قلبه، اشمأز منه، وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدرى لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا سند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا. (بصائر الدرجات: 557)
وصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أو عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لا تكذبوا بحديث أتاكم أحد، فإنكم لا تدرون لعله من الحق، فتكذبوا الله فوق عرشه. نفس المصدر.

أصل زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام :

الرواية الثانية مما نقلناه عن وسائل الشيعة توضح وجود حث من قبل أئمة الهدى عليهم السلام على زيارة الامام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين من استشهاده ، ووجود نص من المعصومين عليهم السلام في زيارته ذلك اليوم بالخصوص كما هو ظاهر نفس الرواية .

وأما أن زيارة الأربعين تكون في العشرين من صفر فقد صرح الأصحاب بذلك ، ولهم شواهد من الأخبار:

قال الكفعمي رحمه الله : إنما سميت بزيارة الأربعين ، لأن وقتها يوم العشرين من صفر ، وذلك لأربعين يوما من مقتل الحسين عليه السلام ، وهو اليوم الذي  ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب النبي صلى الله عليه وآله من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فكان أول من زاره من الناس ، وفي هذا اليوم كان رجوع حرم الحسين عليه السلام من الشام إلى المدينة   .

 وقال السيد ابن طاووس رحمه الله في كتاب الإقبال : فإن قيل : كيف يكون يوم العشرين من صفر يوم الأربعين إذا كان قتل الحسين صلوات الله عليه يوم عاشر محرم ، فيكون يوم العاشر من جملة الأربعين ، فيصير أحدا وأربعين . فيقال : لعله قد كان شهر محرم الذي قتل فيه صلوات الله عليه ناقصا ، وكان يوم عشرين من صفر تمام أربعين يوما ، فإنه حيث ضبط يوم الأربعين بالعشرين من صفر ، فإما أن يكون الشهر - كما قلنا - ناقصا ، أو يكون تاما ، ويكون يوم قتله صلوات الله عليه غير محسوب من عدد الأربعين ، لأن قتله كان في أواخر نهاره ، فلم يحصل ذلك اليوم كله في العدد . هذا تأويل كاف للعارفين ، وهم أعرف بأسرار رب العالمين في تعيين أوقات الزيارة للطاهرين . 

وقال المحقق السيد العلامة جعفر مرتضى العاملي : ولعل مما أسهم في التأسيس لزيارة الأربعين ما رواه زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : يا زرارة ، إن السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم ، وإن الأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد ، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة ، وإن الملائكة بكت عليه أربعين صباحاً الخ ...  . وقد روي بسند صحيح عن صفوان بن مهران ، عن الإمام الصادق عليه السلام نص زيارة الأربعين ، فراجع .

ولعل تأخر ظهور وإعلان الأمر منهم عليهم السلام بزيارة الأربعين إلى أيام الإمام الصادق عليه السلام ، يرجع إلى سعيهم للحفاظ على سرية تحركات شيعتهم ، كي لا يتمكن أعداؤهم من رصدهم ، في زياراتهم في أيام بعينها .

أما مجيء جابر إلى كربلاء في الأربعين الأولى للاستشهاد ، فهو وإن كان يمكن أن يكون بداعي الشوق واللهفة ، فإنه يمكن أن يكون أيضاً بسبب ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله ومن سائر أصحاب الكساء عليهم السلام من الحث على المداومة على زيارة قبره بعد استشهاده عليه الصلاة والسلام .
 
وعليه فإن ثبوت زيارة الامام الحسين عليه السلام في يوم الاربعين مما لا مجال للشك في مشروعيتها ، وإن بعض المحاولات لصرف الانظار عن كونها من علامات المؤمن إنما هي محاولات فاشلة لا يمكن لها تصمد أمام الدليل والبرهان .

وهذه الايام التي تسير فيها قوافل المحبين والموالين لزيارة أبي الأحرار عليه السلام   كفيلة بأن تثبت الولاء الحقيقي لأهل بيت العصمة عليهم السلام ، مع ما يتحملونه من العناء الجسيم بشتى أنواعه في سبيل الوصول للحضرة المقدسة لأبي عبدالله الحسين عليه السلام لينالوا مبتغاهم وحوائجهم دنيا وأخرة .

ولعلنا نوفق في الحلقة القادمة للتحدث عن شعيرة المشي لزيارة الامام الحسين عليه السلام خصوصا ما نراه من مناظر عظيمة هذه الايام لمن يمشون لزيارة الامام الحسين عليه السلام ، من كبار السن وصغار رجالا ونساءً  تتصاغر أمامها كل النفوس وتشرئب لها الأعناق  وتنحني لها كل الرؤوس اجلالا وتعظيما .

ـ وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 - ص 478 - 479
ـ انظر مختصر مفيد - السيد جعفر مرتضى العاملي - ج 11 - ص 96 - 99
ـ المصباح للكفعمي ص 489 .
ـ الاقبال ص 589 .
ـ انظر كامل الزيارات ص 81 ومستدرك الوسائل ج 2 ص 215 ط حجرية .
ـ مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ، وتهذيب الأحكام ج 6 ص 113 .
ـ مختصر مفيد - السيد جعفر مرتضى العاملي - ج 11 - ص 96 – 99.
طالب علم