القضية الحسينية وتشكيكات الشياطين

 

 

إن مسألة الشيطان واغواءه للإنسان مستمرة إلى يشاء الله، وقد حذِّر الباري عز وجل من اتباع خُطوات الشيطان قائلاً: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ -سورة البقرة 208-، ورغم أن ابليس -لعنه الله- قد أقسم ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إلا أنه استثنى صاغراً ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ -سورة ص 82،83-، فهو يعلم أنه ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ -سورة الحجر 42-، وكثيرة هي اغواءات الشيطان وتشكيكاته للمؤمنين في دينهم وشعائرهم الدينية كالصلاة والحج، ومن جملة تلك التشكيكات التي يسعى الشيطان لبثها بين الناس هي التشكيك في قضية الإمام الحسين -عليه السلام- منذ مقتله حتى يومنا هذا. 

ورد عن الرسول الأكرم -صلى الله عليه وآله- "إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم (يوم مقتل الإمام الحسين صلوات الله عليه) يطير فرحاً، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول يا معاشر الشياطين ... فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم" [1]، لذا فكل هذه التشكيكات التي نسمعها من هناك أو هناك أصلها إبليس -لعنه الله-.

وللأسف الشديد أننا نجد الكثير ممن ينصاع للشيطان ويصبح بوقاً له في بث التشكيكات في شعائر الإمام الحسين -عليه السلام- والحديث بما لا يلزم على زوار أبي عبد الله الحسين -عليه السلام- مخالفين بذلك أمر الله عز وجل بعدم تتبع خُطوات الشيطان. ومن جملة تلك التشكيكات التي يجهد القوم في نشرها تشكيكهم بالبكاء واللطم والعزاء والتطبير وغيرها من الشعائر الحسينية المقدسة والتي أفتى مراجعنا العظام بجوازها واستحبابها.

والأمر لا يقتصر على تلك الأمور، وإنما تجد أنهم يثيرون تلك التشكيكات بالشعائر وربطها بالصلاة -مثلاً- كقولهم "لماذا تقيم الشعائر الحسينية وأنت لا تصلي" وهذا ما لا تجده في سائر العبادات والأعمال الخيرية. يقول محيي الشعائر الحسينية المرجع الديني الأعلى السيد صادق الشيرازي -دام ظله- "هل يمكننا أن نجزم بأن كل من بنى مسجداً أو حجّ بيت الله الحرام أو صام شهر رمضان لم يبتلى بعدم أداء صلاة الصبح أو غيرها في وقتها؟ فلماذا لا يتقولون على مثل هذه الأمور، ويتقولون على الشعائر الحسينية؟" [2]، والجوابُ على هذا التساؤل يعود لأفعال إبليس وتشكيكاته والتي تؤثر على ضعاف النفوس والهمج الرعاع.

وكذلك إثارتهم لمسألة كيفية الصلاة بوجود الدماء على البدن والثياب بعد التطبير؛ وقولهم أنه لا يجوز ذلك الصلاة بوجود الدم على البدن! غير أن الذي يراجع الرسائل العملية للمراجع والفقهاء يجد أنهم أفتوا بأن "الصلاة بدماء الجروح والقروح التي حصلت باختيار المكلّف أو من دون اختياره لا إشكال فيه لدى تعسّر إزالتها، أما دم غير ذلك، أي مثل دم الذبيحة إذا أصاب بدن الإنسان أو ثيابه وكان مقداره أكثر من الدرهم البغلي، فلا تصحّ الصلاة به" [3]. ألا يتضحُ لدينا بالفعل أن هذه التشكيكات ما هي إلا تشكيكات شيطانية وإن كان المتحدث بها على هيأةِ إنسان!

وها نحن على أعتاب زيارة الأربعين المقدسة والتي يشارك بها الملايين من مختلف أنحاء العالم، ومن مختلف الأعمار والطبقات. هذه الزيارة التي أكد وحث عليها أئمة أهل البيت -عليهم السلام- في رواياتهم الشريفة؛ تجد هناك من يصدّر أوامره لمنع النساء من المشاركة فيه! رغم أن روايات الأئمة -عليهم السلام- واضحة في ذلك ولا تخص جنساً دون الآخر، إلا أن أراجيف المرجفين وتشكيكات المشككين لا تنتهي! عن أبي الصامت قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول: من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحى عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة..." [4]. وغيرها من الروايات الشريفة التي تحث على المشي إلى قبر أبي عبد الله الحسين -عليه السلام-.

إن المتأمل لروايات أهل البيت -عليهم السلام- الخاصة بزوار أبي عبد الله الحسين -عليه السلام- لا تجد فيها أيَ نقدٍ لهم أو تشكيك فيهم! بل على العكس تماماً تجدهم صلوات الله عليهم يدعون للزوار. فمن دعاء الإمام الصادق -عليه السلام- "يا من خصنا بالكرامة، وخصنا بالوصية (...)، اغفر لي ولاخواني ولزوار قبر أبي الحسين صلوات الله عليه الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا ..." [5]. لقد أولوا الأئمة -عليهم السلام- عناية خاصة بزوار قبر الإمام الحسين -عليهم السلام- وهذا يتضح جلياً في ثواب الزيارة المذكورة بالروايات الشريفة وكما ذكرنا أنه لا توجد رواية واحدة ضد زوار الإمام؛ إلا أن أبواق الشيطان يحسبون أنهم يحسنون صنعاً بتشكيكاتهم ومهاجمتهم للزوار. ولكن كل تلك التشكيكات تذهب أدراج الرياح ويبقى الحسين -عليه السلام- رايةً خفاقة لا تتأثر بتلك الأراجيف.

وستبقى القضية الحسينية المقدسة الإمتحان الإلهي "فبعض الناس يرتقون في ذلك الامتحان وينالون الدرجات الرفيعة في الثواب، وبعضهم يسقطون في الهاوية أكثر وأكثر" [الشيرازي]. فالله "يريد أن يمتحن الناس عبر التاريخ بالقضية الحسينية المقدّسة، فحذاري من أن نسقط في هذا الامتحان. فمثل التعامل مع القضية الحسينية المقدّسة، كمثل من يصعد جبل فيه زحاليف ..، فإذا لم يحتاط ولم ينتبه الإنسان في صعوده في هذا الجبل فسينزلق ويتدحرج ويسقط" [الشيرازي]. فاللازم على المؤمنين ألا يدركوا جيداً عظمة القضية الحسينية التي هي استثناء في كل شيء؛ فلا يوم كيومك يا أبا عبد الله، وعليهم ألا يصغوا لأولئك الشياطين وإن تلبَّسوا بلباس العلم والعلماء إذا ما أرادوا أن ينجحوا في هذا الإمتحان الإلهي الكبير.



المصادر
1. [الكامل في الزيارات ص278]
2,3. shirazi.ir
4. وسائل الشيعة ص 440
5. ثواب الأعمال
6,7. shirazi.ir