عساكر “مدرعة العوامية” وتحقيق العدالة

لا يختلف إثنان سواء كانا من المكوّن الشيعي، أو السني في بلادنا على أن ما قام به «عساكر مدرعة العوامية» في الفيديو الشهير الذي صوَّروه أحدهم يظهر مدى احتقانهم واحتقارهم للمواطن، وهو سلوك يمثل العمل السيء والمسيء، ويجب تجريمه ومعاقبة القائمين عليه، ولعل مرجعيتهم الأمنية قامت بهذه الخطوة المطلوبة قانونيا وشعبيا.

لقد تابعت أمس مجمل خطب الجمعة التي تناولت الفيديو المسيء لأهلي في بلدة العوامية، وأقدم الشكر لكل رجل دين وقف وقفة جادة ومهمة في سبيل إصلاح الأمر، كما أتقدم بالشكر لكل من أنصف وأدان هذه السلوكيات الشاذة، كسماحة الشيخ حسن الصفار في خطبة الجمعة، والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط الشيخ صالح سعد اللحيدان الذي وصف في جريدة الحياة أمس «31 يناير» سلوك رجال الأمن في المقطع المصور، أثناء تأديتهم مهام عمل كانوا يقومون بها في العوامية بـ«الاختراق الجريء والأحمق للعملية الأمنية». وفق الصحيفة. بل وعزا ذلك إلى «سوء الخلق فيما يتعلق في التربية المبكرة للقيم والأخلاق والآداب».

تشويه جِدِّي:

ومن دون شك إن ما نشره العسكري «مصوِّر المقطع» يسيء لرجل الأمن وصورته في الذهن الاجتماعي على مستوى الوطن، وعلى مستوى المواطنين الشيعة بشكل خاص، وبشكل أخص أبناء بلدة العوامية، وقبل سرد بعض المعلومات الهامة عن الحدث، يمكن التوقف عند الذين أدانوا ما حصل في حدث الساعة، وأعني هنا الإساءة المتحقق من العساكر في الآلية المصفحة في مقطع الفيديو واسع الانتشار.

إن ردود الفعل التي رصدتها عند مسؤولين ومواطنين ومواقع تواصل إجتماعي مختلفة منذ نشر الفيديو تكاد تجمع على أن ما حصل إساءة غير مقبولة، كما أني لا أرغب في التحدث عن محتوى المقطع المصوَّر من قبل مجموعة من العسكر، وهم داخل مدرعتهم، وكيف أساؤوا استخدام السلطة التي منحت لهم؛ لأن ذلك بات جليا في مواقع التواصل الاجتماعي، أهمها تويتر عبر هاشتاق خاص بهم «#عساكر_العوامية».

الكرامة أساس:

إن التوقف عند ما حصل أمر بالغ الأهمية لنا كمثقفين ونخب مختلفة التوجهات، ويجب أن تكون لنا وقفة جادة ضد كل من يحاول النيل من كرامة المواطن تحت أي سلطة كانت، ويكفي في هذا المجال عرض المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية، وتحديدا في فقرتها الأخيرة، إذ تنص على حضر تعرض الشخص للمعاملة المهينة للكرامة أثناء القبض عليه، فما بالك إن كان حرا لم يتورط في أي جريمة جنائية كما هي حال المرأة المسكينة التي ظهرت في الفيدو المصوّر. تلك المرأة تم الإساءة لها من قبل هذه المجموعة التي استغلت السلطة التي منحت لها، كما أن هناك بُعد طائفي تلفظ به العسكر في المقطع، وهناك إهانة وأستهزاء لجميع المواطنين من أهالي بلدة العوامية، هذا باختصار شديد، أما في بعض التفاصيل فمن أين جاءت تلك الكراهية لدى هؤلاء الجنود الذين يفترض أن يكونوا حماة للناس لا عامل هدم وتخويف.

تحرك فردي:

تردني معلومات موثقة من مصادر مطلعة جدا بأن أي رجل أمن يعمل في العوامية أو غيرها مهمته تنحصر في حفظ الأمن، وأن ما ظهر في تصوير الفيديو تصرف فردي لا يلقى أي ترحيب، وهو مخالف قطعا للقانون ويستدعي التحقيق، كما أن أي مخطئ يحاسب على قدر خطأه، وليس من المعقول أن يتم اتهام كامل رجال الأمن بما فعله أفراد ينتمون له، وهناك أمثلة كثيرة على عقاب رجال الأمن الذين تعدوا قاموا بتصوير أمور مشابهة في قضايا أخرى خارج العوامية حيث تمت معاقبتهم والتحقيق معهم. «تقول المصادر»

ولو توقفنا عند هذه الردود ذات العلاقة بقضية فيديو عسكر العوامية، نجدها تؤكد على مخالفة العساكر للنظام والقانون وتجاوز دورهم الأمني، إن هذه الردود هي التي يريد المواطن سماعها من الجهات المسؤولة ذات العلاقة؛ ليتبعها الاجراء القانوني العملي بالتعامل مع العساكر المتجاوزين بما يقتضيه النظام واعلانه للمواطنيين بكل شفافية ووضوح كما حدث في كثير من القضايا التي شغلت الرأي العام.

غذاء طائفي:

أن الحدث يتعدى الألفاظ التي قالها العسكري داخل الآلية العسكرية المصفحة وبثه على الأنترنت بكل عجرفة؛ لتتناقله وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف المواقع والجهات الاعلامية، إذ أن الوتيرة اللفظية تدل على احتقان طائفي قوي تغذيه بعض وسائل الإعلام المحرضة كوصال وغيرها من القنوات الرجعية التي دأبت منذ سنوات على تغذية جمهورها بانواع الفكر الطائفي المريض؛ لنشهد مثل هذا المقطع المسيء في قطاع أمني يفترض أنه منيع ومحصن ضد هذه الأفكار التي جعلت العسكر يتصرفون بعيدا عن التعليمات الأمنية.

المطلوب:

إن المطلوب بكل بساطة يكمن في تطبيق العقوبة الرادعة على العساكر الذين خالفوا شرف المهنة وأنظمتها وقوانينها، وتتحقق العدالة في هذه القضية، ليشعر المواطنون الذين طالتهم الأساءة أن القانون أنصفهم.