العمدة آل عبدالوهاب: وصفة الطبيب (ديم) نقلتني من البحرين إلى حمام أبو لوزة

شبكة أم الحمام المصدر/مجلة الخط – العدد 43
العمدة آل عبدالوهاب
العمدة آل عبدالوهاب

 

  • تنقلت في الأعمال بين القطيف والظهران وبقيق ورأس تنورة والسفانية.
  • الراتب العالي نقلني من شركة أرامكو إلى إحدى شركات الحفر الأمريكية.
  • بسبب الأحجار الكريمة عملت في سوق واقف بالقطيف.
  • لدي ولد في الفلبين وبنت في العراق وزوجة في اليابان.
  • أنشأت مصنع آيسكريم ومطعماً كبيراَ يقدم خدمة الإقامة للمسافرين.
  • بعد ثلاث سنوات من الرفض عملت عمدة القطيف بشروطي.
  • أسفاري تحمل مبدأ «الزيارة والتجارة» في آن واحد.

إننا أمام تجربة عملية من نوع خاص، إذ يتجلّى من خلالها التواضع وحب العمل، وتظهر فيها الإرادة والجدية والسعي نحو الأفضل، تلك هي تجربة العمدة «على آل عبدالوهاب» الذي ولد في القطيف وعاش فترة زمنية في البحرين، وسافر الى أمريكا والهند والباكستان، وتنقل في الأعمال بين القطيف والظهران وبقيق والنعيرية والسفانية ورأس تنورة، حمل في ذاته حب العمل، وقبل أن يصبح رجل أعمال وعمدة القطيف عمل طباخا وحمالا وموظف اتصالات وغير ذلك.. تزوج من سعودية وعراقية وامريكية وفلبينية.. إننا بحق أمام تجربة فريدة تستحق التوقف والدراسة.. كل ذلك نجده في الحوار التالي:

في البداية حبذا لو حدثتنا عن الظروف التي نشأت خلالها وكيف كانت وما مدى تأثيرها على حياتكم العملية فيما بعد؟

ولدت في قلعة القطيف قبل 90 عاما، تحديدا في العام 1346 هـ تربيت في سنواتي الأولى في كنف الوالد يرحمه الله، وقد انتقلت الوالدة إلى بارئها وأنا صغير السن لم أتخط السادسة من عمري، تزوج الوالد من أخرى، ومنها جاء أخواني الخمسة، إذ كنت واحدا من بين أربعة اخوة وأخت واحدة. هذه الظروف جعلتني مرافقا لوالدي في أعماله وأسفاره وتنقلاته، وكذلك الحال بالنسبة لجدتي التي كانت الوالدة والمربية الحقيقية لي بعد وفاة الوالدة، ولهذا السبب قضيت جزءا من حياتي الأولى في البحرين، فالوالد كان يعمل مع أخيه حسن آل عبدالوهاب في البحرين في شركة بابكو، فانتقلنا معه، برفقة جدتي، وهناك التحقت بالدراسة الابتدائية.. وكنت اتردد بين فترة وأخرى على القطيف في حياتي الأولى أيضا، وكان أكثر أصدقائي قربا منّي منذ الطفولة هو عبدالغني السنان، الذي صار شريكا لي فيما بعد.

قلت قبل قليل بأنك التحقت بالمدارس في البحرين، في أي المدارس التحقت؟

لقد كان الوضع مختلفا في البحرين عنه في المملكة في ذلك الوقت، فهناك قد دخل التعليم النظامي، وقد اتيحت لي الفرصة أن التحق بالمدرسة الجعفرية التي كان مديرها حسن بن جواد الجشي، الذي كان أخا للوزير ماجد الجشي، وكلاهما من عائلة الجشي المعروفة لدينا في القطيف، فوق ذلك كنا نسكن في منزل لهذه العائلة الكريمة، والتي تعمّقت العلاقة بيننا وبينهم إلى علاقة نسب ومصاهرة فزوجتي الأولى أم جمال هي بنت سليمان الجشي. فكانت تلك الفترة جميلة ورائعة أيضا، أكملت فيها الدراسة إلى الرابع الابتدائي قبل أن أرجع إلى المملكة مضطرا بسبب مرض ألم بي.

وما هذا المرض الذي جعلك تترك البحرين وتأتي إلى المملكة؟

لقد كان في البحرين طبيب مشهور يدعى «ديم» فقد اصبت بقروح في بدني، وعرضت عليه فقال لي: «إنك لن تتعافى ولن تشفى مادمت في البحرين، فعلاجك موجود في السعودية، وتحديدا في حمام أبولوزة»، وتبعا لوصفة الطبيب وقراره جئت القطيف وكنت صغيرا في السن وتحممت لمدة خمسة أيام في الحمام المذكور، وكان الشفاء بتوفيق الله، والسبب إنني حينما القيت بجسمي

في الماء تجمّعت الأسماك الصغيرة «الحراسين» على بدني وأكلت كل القروح التي كانت منتشرة على جلدي، فخرجت بعد خمسة أيام من السباحة معافى، صحيح إنني تألمت كثيرا بفعل تلك الأسماك الصغيرة، بل محدودة الصغر، التي تجمّعت بالمئات على جسدي، فصبرت وتحملت كل ذلك الأذى والألم، لكني حصلت على فائدة وهي الشفاء من مرض القروح.

وهل كنت تدرس فقط في البحرين، أم كنت تعمل مع والدك؟

لم تكن حياتي في البحرين طبيعية بالكامل، ولم أكن مقتصرا على الدراسة فقط، بل كنت أقوم ببعض الأعمال التي توفر لي دخلا معقولا، فقد كنت أقوم بجمع مخلفات الأقمشة والأوراق ومخلفات النخيل، فنقوم ببيعها على من يحتاجها، فمن مخلفات الورق والأقمشة يتم صناعة الأكياس لمختلف الاستخدامات، ومن مخلفات النخيل يتم إعداد العلف للحيوانات، وبهذه الطريقة كانت الحياة تسير، حتى عدت إلى القطيف وتابعت حياتي العملية، بعد وصفة الطبيب ديم والسباحة في حمام أبولوزة.

بعد عودتك الى المملكة ماذا عملت؟

كما سبق القول إنني عدت من البحرين صغيرا في السن، بقيت هنا ثلاث سنوات، بعدها صرت أعمل بمفردي في الظهران حيث قمت ببيع الحمص وحب الفصفص، ثم

عملت في رأس تنورة طباخا كنت أعد وجبات الطعام لمجموعة موظفين. أتذكر منهم: السيد علي بن مجيد العوامي، «اخو السيد سعيد العوامي»، وحسن عبد الوهاب الغانم، وخميس بن يوسف، وحسن الشعلة، وعبدالكريم الخنيزي «وهؤلاء الثلاثة من البحرين»، وعملت في هذا المجال لبضع سنوات، ثم انتقلت للعمل في المطار «هاوس بوي» ولمدة ثلاث سنوات براتب 3 ريالات في اليوم، وهذه المهنة كانت أفضل من العمل كطباخ إذ كان الراتب ريال واحد في الاسبوع.. ثم التحقت بالعمل مع حسين بن ناس «الحجازي» في الهاتف براتب جنيه ذهب في الشهر وهو ما يعادل 42 ريالا، ثم جاء صالح الصويغ «وهو حجازي أيضا» فنقلني إلى العمل في شركة ارامكو على وظيفة معلم للعمالة المنزلية «الهاوس بوي»، وذلك براتب 4ريالو7 قروش يوميا، ثم انتقلت إلى بقيق، إذ صار عمل العمالة المنزلية تابعا لشركة تعمل لصالح أرامكو بموجب عقد سنوي، ثم التحقت مع أحمد الخطيب «وهو حجازي» للعمل معه بموجب عقود أيضا، وكنت أعمل معه حمالا بقرب اللحامين، ثم نقلت الى الظهران لأعمل في المطعم هناك فصرت محاسب صندوق «كاشير» وكان عمري حينها 18 عاما وذلك في العام 1949 وكانت اليومية حينها 10 ريالات.. وفي هذا الصدد اتذكر ان الشيخ محمد صالح البريكي مع جماعة عائدين من مكة وخيّموا في بقيق وقمت بزيارتهم والمساهمة في أعداد الطعام لهم وكان عددهم كبيرا، وكان معهم العمدة سلمان عبدالهادي الحبيب.

وهل بقيت في هذه المهنة أم تركتها؟

لم أتركها، ولكن حصلت على ترقية، إذ انتقلت إلى الكافتيريا الجديدة، التي أكاد أكون من أوائل من عمل بها، وبقيت بها بضع سنوات، ثم نقلت الى النعيرية للعمل في أرامكو وعملت موظف اتصالات «ابوريتر»، ثم نقلت إلى السفانية لأعمل مرة أخرى في المطعم وذلك براتب 1750 ريالا شهريا، في وقت كان الضابط لا يتعدى راتبه الــ 500 ريال.. ثم تطورت الأمور لأعمل ـ ضمن موظفي ارامكو ـ في السينما مع المطعم، ونشأت لدي علاقة مع بعض الأمريكيين، وبعضهم من كبار الموظفين وابنائهم.. وبعد هذا التنقل والتنوع في العمل جاءني خطاب لأعمل في تكساس مع إحدى شركات الحفر وذلك براتب 8000 ريال أساس، و6000 ريال إضافي «أي 14 الف ريال شهريا» وعملت معهم لمدة ثلاث سنوات، طلبوا منّي الذهاب الى دبي فرفضت، وبعدها انتهت علاقتي بالعمل الوظيفي بشكل عام.

واين انتقلت بعد ذلك؟

بعد الالتحاق بهذه الشركة كنت قد خرجت من ارامكو وأخذت حقوقي وقيمتها 70 ألف ريال، وخلال هذه الفترة كان لدي مطعم كبير قرب نادي البدر، وكان به مكان خاص للتعميرة، ومكان لأهل البحرين إذا ما أرادوا النوم، وبه موقع خاص لانتاج الآيسكريم «، وكنت أقدم من خلال هذا المطعم كافة الوجبات اليومية، وبقيت فيه لمدة 11 عاما، قبل أن أعمل عمدة في القطيف.

وكيف كانت تجربة العمل كعمدة؟

بقيت لمدة ثلاث سنوات يعرضون علي العمل كعمدة وأرفض، وقدمت لهم مبرراتي في ذلك، أولها إنني غير متعلم وهذا المنصب بحاجة إلى شخص يملك من العلم والمعرفة، وثانيها لم أر نفسي كفؤا لهذا المنصب الذي بحاجة إلى مقومات شخصية لم تكن متوافرة لدي، كما إنني لا أملك حسابا في البنك، والمصاريف كثيرة، وراتب العمدة لا يغطي مصاريفه، وأعطيتهم قائمة بشروطي وعرضت على الأمير بن جلوي، فصار الاتفاق على أن أعمل في الفترة الصباحية في أعمالي الخاصة، وأن أكون عمدة البلاد في الفترة المسائية، وهذا ما تم واستطيع أن أقول بأنني قمت بمهمتي بنجاح بتوفيق الله.

حدثنا عن اسفارك في خضم هذه التحولات؟

بعض الأسفار تتم بسبب الهواية، فأنا أهوى السفر، وبعضها تتم تبعا للظروف العملية، ففي العام 1968 سافرت إلى أمريكا عن طريق البحر، وقضيت 14 يوما في عرض البحر، سبعة منها للذهاب ومثلها للأياب، وكانت وظيفيتي هو الإشراف على الطباخين في الرحلة، وكان لدينا 80 عاملا، يعملون على ثلاث فترات.. وأتذكر أن المغفور له الملك سعود حين يأتي في الظهران في فصل الصيف، أذهب ضمن الطاقم العامل بقصر جلالته، فصرت رئيسا للمخازن. كما سافرت برفقته والوفد المرافق الى كل من الهند والباكستان، وقد جلسنا 17 يوما في لاهور..

وفي الحقيقة أني في كثير من الأسفار أجعلها زيارة وتجارة، فأقوم بنقل بضائع من هنا، وأنقل بضائع من هناك. من هنا نشأت لي علاقة مع سوق واقف في القطيف، ولذلك صارت لي هواية جمع الخواتم والأحجار الكريمة.. وفي كثير من الاسفار تحدث مفاجآت، ومواقف جميلة، فقد دعيت للقاء رئيس جمهورية الفلبين فيدل راموس، وبسبب تكرار زيارتي للفلبين تزوجت من فلبينية تعمل في اليابان في الوقت الحاضر، وابنها جيم بوي موجود في الفلبين عرضنا عليه المجيء إلى السعودية فلم يقبل.

ماذا عن العائلة والأولاد؟

لدي من الأولاد 6 «واحد منهم في الفلبين واسمه جيم بوي، وقد هاجرت أمه إلى اليابان بعد طلاقها»، ومن البنات 7 «واحدة منهن في العراق» ذلك لأني تزوجت من امريكية وعراقية وفلبينية غير أم جمال. وكل اولادي متوفقون في دراستهم وحياتهم الاجتماعية والعملية.

بعد هذه الرحلة ماذا تقول؟

اتمنى التوفيق للجميع، بمن فيهم أولادي وأحفادي.