هنيئاً لك يا يوسف

 

كانت القرية تلبس ثوب الفرح وهي تستقبل عيد الفطر السعيد بعد إنقضاء ليالي الشهر الفضيل التي كانت عامرة في خشوع بآيات الذكر الحكيم ، والأدعية والتسبيح في كل زاوية من زوايا القرية الوديعة الحالمة إلاَّ من بعض ضوضاء بريئة تنغِّص هدوئها الجميل الذي يبعث الراحة والإطمئنان لنفوس أهلها الطيبين الذين ما زالوا في غمرة فرحهم بزفاف ( 34 ) عريساً وعروسة في النسخة (31 ) من مهرجان الأعراس الذي إعتادت أن تقيمه مرتين  إحداهما في هذا التوقيت من كل عام .  
     
 وفجأة وفي حدث ( أتراجيدي ) خطف الريب المنون إثر حادث مروري أليم الشاب المؤمن ( يوسف بن سعود البراك ) ليرحل عنا في رحلة أبدية ، ولا راد لقضاء الله وقدره .. رحل ( يوسف ) وقلوبنا تعتصر ألما وحزنا لرحيل شاب كان من خيرة شباب هذه القرية المعطاءة ، كان ( يوسف ) وسيظل باقيا في قلوبنا بأخلاقه الطيبة وهدوئه الذي لا تعقبه عاصفة ، وتواضعه الذي يعكس إنسجامه مع ذاته ، ومعرفته الحقَّة بخالقة ومدبِّره ، وخوفه من الباري سبحانه وتعالى في السر والعلن دون مواربة أو رياء .

المرحوم الحاج / الملا يوسف البراك
المرحوم الحاج الشاب / الملا يوسف البراك

 

 عرفناك يا ملا ( يوسف ) - كما يحلو لمحبيك أن ينادوك - الإنسان المتواضع البسيط الذي لا تكاد تشعر به في مجلس يجمعك به من شدة تواضعه وأدبه ، وصوته الهادئ المنتظم الإيقاع .. وعرفناك نجما مضيئاً في سماء خدمة أهل البيت  مما حوَّل مشهد تشييع جثمانك الطاهر إلى كنفرال تأبيني مهيب يترجم مكانتك الرصينة في قلوب كافة أطياف المجتمع الذين لم تسعهم صالة المغتسل الفسيحة وفي مقدمتهم علماء الدين الأفاضل الذين تقاطروا للمشاركة في وداعك الآخير من مختلف أنحاء محافظة القطيف الحبيبة مما يدل على شبكة العلاقات الواسعة والمتينة التي قمت ببنائها منذ سن مبكرة ( رغم صغر سنك ) وشبابك المأسوف عليه ، فكان لك هذا الإستحقاق من الحفاوة والتكريم .      
   
 كأني بك أيها الحبيب قد أعددت العدة منذ وقت مبكر ليكون يوم وداعك في ذات المشهد والسياق الذي كان ، نعشك الذي إستضاف باكياً جسمك النحيل رأيته في أكثر من موضع يَحِنُّ عليك من أن تسقط من شدة تدافع المشيعين وتسابقهم من أجل أن يشاركوا في إيصالك بسلام إلى مثواك الآخير بالدرجة نفسها التي كنت تسالمهم بها إبان حياتك ، هكذا كنت ( يا يوسف ) تلقائياً بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات ، إبتسامتك الرحبة قبل يدك كانت تصافح كل من تقابله ولو لبرهة ، وسماحة محيَّاك كانت تبعث برسائل ترحيب ومحبة عصِيَّة على النسيان إلى وجدان كل من تجمعه الصدفة بك ولو للحظة .

 إنني أحمد الله أن أبلغتك بإعجابي بإسلوب حياتك في حياتك لعلمي بتردد الكثيرين من البوح بمشاعرهم لمن يحبونهم حتى إذا فات الأوان رأيتهم يضربون كفاً بكف أسفاً على صمتهم وتفضيلهم الصوم عن إعلان محبتهم وتقديرهم لأحبابهم وأصدقائهم أو حتى معارفهم الأمر الذي ينتج عنه شعوراً بالتقصير يرتقي لأن يصبح بعد فقدهم إلى مستوى الإحساس بالذنب .

 وداعاً أيها المسالم ما كنت حياً ، أراك تنعم في جنان الخلد الفسيحة برحمة من الله ورضواناً ، أرى ثغرك الباسم يترجم حالة من الإطمئنان والسلام وأنت تصافح جموع المؤمنين الذين كانوا في إستقبالك مبكراً مستبشرين ومرحبين بمقدمك الميمون إليهم حيث شآبيب الرحمة والمغفرة . أما من فارقتهم فقلوبهم معك تعتصر ألماً وحسرة على رحيلك المبكر عنهم رغم إطمئنانهم على مآلك صابرين محتسبين متطلعين إلى الباري عزَّ وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان إنه سميع مجيب . وداعاً يا يوسف .

 
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 10
1
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 24 / 9 / 2009م - 11:33 ص
أخي العزيز الأستاذ ابراهيم الشيخ
لقد أجدت في توصيفك للمرحوم الحاج الملا يوسف البراك، فقد كان محمود السيرة على كل لسان.
أسأل الله أن يحشره مع محمد وآله الطاهرين.
ورحم الله من يقرأ لروحه الفاتحة.
2
الجشي
[ الجش - القطيف ]: 24 / 9 / 2009م - 1:50 م
لم تزد في المدح حيث ترسم ريشتك الحروف على معانيها لم تتبعثر الكلمات في وصف من أفنى عمره في الحفاظ على تراث مجتمعه الأصيل عانق السماك بفخر رغم حداثة سنه اطمأن له من حوله ليكون مستودع أسرارهم غربل البيان غربلة المتعطش ليغرف منه شحد شعر الولاء في ترنيم مخزونه فهنيئا لك في وصفه وهنيئا له في سيره الذي سار فيه ولنا فيه العزاء وعظيم الأجر. محبك ابو حسين وأخوك الصغير المزاحم لك منصور
3
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 25 / 9 / 2009م - 12:57 ص
أخي الفاضل : الأستاد بدر الشبيب
أشكرك على تعليقك اللطيف ، والفقيد إستحوذ على قلوب معارفه بطيب الخلق وحسن التعامل . رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، وحفظكم من كل مكروه أيها المعلم الراشد .
4
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 25 / 9 / 2009م - 1:12 ص
فضيلة الشيخ الحبيب : منصور الجشي
هكذا أنت على الدوام تجيد توظيف الكلمات كإجادتك في بناء جسور العلاقات التي تدر الخير على مجتمعك ، ومنك يا سيدي الكريم أتعلم كيف أكون بارعاً في تحقيق الأهداف . لأنك بحق تحرث الأرض لتنبت زهراً رغم قوة الأعاصير ، وتصر حسب إطلاعي على إعادة زراعة الأغصان الميته لأنك لا تفقد الأمل . والفقيد فيه من خصالك ما طاب موقف ، وما لبى نداء . وأنا أسعد بتواصلك لأنه يشعرني بوجودي ويمكنني من خدمة المؤمنين . لك الفضل يعود وإن أنكرت علي ذلك . جزاك الله كل خير .
5
علي الطلالوة
[ أم الحمام ]: 26 / 9 / 2009م - 12:42 ص
قال تعالى : " كل نفس ذائقة الموت "
وقال عز وجل : " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "
يعطيك العافية أبو علي:
فقد ساد الحزن والأسى والحرقة والألم أم الحمام إثر هذا الخبر المحزن والمؤلم على الجميع ، فكيف بمحبيه وأصدقائه ، فقد كان أخا وصديقا ورفيق درب ، تربطني به صلة عمرها ربع قرن من الزمن ، كان فيها مثال الأخ والصديق.
نعزي أنفسنا وآل البراك الكرام بهذا الفقيد الغالي والخطيب والشاعرالموعود ، وكان لفقده الأثر البالغ على كل من عرفه من بعيد فكيف بالقريب ، سائلين الله له الرحمة والمغفرة والرضوان ، وأن يحشره مع محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
ويلهم أهله و ذويه الصبر و السلوان ، رحم الله من قرأ له لأسلافه الفاتحة.
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
6
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 26 / 9 / 2009م - 3:13 ص
الأخ الفاضل : الأستاذ علي الطلالوه
الله يعافيك ويحفظك قلماً نشطاً ، وفكراً نيراً ، وعضواً فاعلاً في مجتمعك . تحمل همومه فتنساب منك قضية في الموقع . وتغمد الفقيد بواسع رحمته ، وألهم ذويه ومحبيه ومعارفه الصبر والسلوان . وتقبل تحياتي .
7
سعيد آل ارهين
[ صفوى ]: 26 / 9 / 2009م - 3:51 م
الأستاذ إبراهيم السلام عليكم
المقال رائع ومعبر ، غير أن النسخة التي وزعت في الحسينية نهاية الفاتحة كانت أسطرها غير متوالية بسبب القص واللصق مما جعل المعنى يضيع كلياً
إذ كان من الواجب على القائمين بالنسخ والتوزيع قراءة المقال للتأكد من سلامة نسخه.
عظم الله أجوركم في فقد هذا المؤمن الشاب ورحم الله من قرأ له الفاتحة، تحياتي
8
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 26 / 9 / 2009م - 5:50 م
الاستاذ الغالي ابو علي :
اجدت كعادتك في توصيفك لفيقدنا الغالي و ما سأدكره تأكيدا لتوصيفك حيث الانسان يمر بمراحل عمريه في كل مرحله يختلف فيها وعيه و ايمانه و سلوكه و لكن فقيدنا الغالي عاشرته صغيرا و شابا اثناء مرحلة الدراسه و عرفته انسانا ناضجا و كان ايمانه و اخلاقه و سلوكه هو هو لا يتغير في كل مرحله حاله من الثبات و الاطمئنان لم تزعزعه رياح المراهقه و لم تبدله مغريات الدنيا و حلاوتها الفانيه . رحمك الله يا يوسف فأنت اجمل مصداق ليوسف و ما يفوق جمال مبسمك جمال سريرتك . فهنيئا لك يا يوسف و هنيئا لك ايها الكاتب العزيز على روحك و احساسك الجميل المرهف كجمال و نقاء يوسف ,
9
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 27 / 9 / 2009م - 12:47 ص
الأخ المحترم : الأستاذ سعيد آل رهين
أشكركم على مشاعركم الطيبة ، ومواساتكم النبيلة في الفقيد الغالي الملا يوسف البراك ( رحمه الله ) وقد تم إبلاغ قرطاسية أهل الكساء بملاحظتكم التي أبداها سواكم أيضاً من المشاركين في العزاء . وتعهدوا مشكورين بطباعتها وفقاً للصحة وإعادة توزيعها . حفظكم الله ورعاكم ولا أراكم مكروهاً في عزيز لديكم .
10
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 27 / 9 / 2009م - 12:57 ص
نديمي الإلكتروني : المستقل
كلما قرأت تعليقاً لك ، كلما إرتهنت نفسي لطيب نفسك ، وكلما عانقت شغاف قلبي كلماتك كان رجع صداها مفعماً بالمودة والمحبة والسماحة . أنت أيضاً ياحبيبي ( يوسيفياً ) كما المرحوم في إشراقة الفكر ، ونبض السلوك . حفظك الله لمحبيك ، وتغمد الفقيد بالرحمة والمغفرة . وألهم ذويه الصبر والسلوان . أرجو إستمرار هذا التواصل الجميل فإنه يجعل للحياة طعم آخر .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية