الحسين وبكاء التماسيح

للتماسيح حركة لا إرادية في إفراز الدمع أثناء ابتلاع الفرائس، فهي تغرغر الدموع في عينيها دون اختيار، هذه الحركة الفسيولوجية وصفها البعض بالنحيب والبكاء الكاذب، فكيف للمفترس أن يبكي فريسته؟!، إنها الدموع الوهمية التي تطلق على المدعين والمنافقين.

والحديث عن البكاء على الحسين، حديث طويل، إلا أننا سنقتصر على «البكاء التمساحي»، فأول تلك التماسيح بكاءً: هو بكاء «عمر بن سعد»، يقتل القتيل ثم يبكي عليه حتى تخضل الدموع لحيته، فهل لهذه الدموع من أجر؟!، وهل تصفح الدموع فعل الأنياب التي تطحن

الفريسة؟!

ينزع اللعناء حلي بنات الرسالة، ثم يبكون، فهل هذا البكاء عاصم عن نار سجرها جبارها لغضبه؟!، إنها ليست دموع الندم، بل هي دموع تمساحية تؤكد على الإمعان في الإزدراد وتقصد الفعل دون أي نية للتراجع، ولسان الحال: «أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّار»؟!

يصعد بعض الخطباء على المنابر ليتحفوننا

بالخالب للعقول من أجر الدمعة على الحسين، دون التوثق من بعض تلك الروايات، فإن قلت: تريثوا، رجموك بالمشككة، ومن ثم عليك «اللعنة»!!، وإن هززت رأسك بالقبول أعطوك من الأساطير، ولا يعني كل ما ورد أسطرة بطبيعة الحال، إلا أننا نتوقف للحظة حتى نفصل بين ما هو أسطوري وبين ما هو الحق الحقيق.

السؤال: هل بيننا غلاة في هذا العصر؟

أليس الغلو عند الكثير، هو من صميم الولاء، حتى جلس خطيبهم ليقول: «أتسب علياً وهو الذي خلقك»، ثم تفلسف الأمور، فيقال: ألم يخلق عيسى طيراً؟!، فلماذا تستكثر على علي، وهو أفضل من عيسى؟!

نعود، أجر الدمعة الواحدة تطفئ بحور النيران، هل نؤمن بها؟، وإن آمنا بها، فهل كل دمعة لها ذات المفعول، حتى دموع التماسيح؟!، إذاً فالمذنب سيفعل ما يريد ثم يأكل الأطعمة التي تدر الدمع ليحظى بالشفاعة، أليس البكاء على الحسين منجاة؟!، إذاً فلنزكم الأنوف بروائح البصل لندر الدمع الغزير؟!، ولا تستغرب إن قرأت أن هناك مستحبات في أكل بعض الأطعمة لكونها مدرة للدموع!!

السؤال: أي الدموع التي يريدها الحسين؟!، ماذا يفعل الحسين في أطنان الدموع التي يسكبها أهل الكوفة الذين قتلوه؟!، وماذا يصنع الحسين في أقوام القلوب «العاطفة» معه، والسيوف «الأفعال» ضده؟!، ترد العقيلة «زينب» شقيقته في المنهج بفصيح القول على هذه الدموع السمجة؛ فتقول: «أتبكون..؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة»، وقولها لهم موبخة منددة: «أتبكون وتنتحبون..؟ إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل أبدا»، أي الدموع تلك التي تغسل الذنوب؟!

لعل الحر بن يزيد الرياحي لم تخرج منه دمعة واحدة من محجر، ولكنه هو الحر الحقيقي والتائب الأوابُ الصادق المقبول عند الحسين، فلماذا تغرينا أنهار الدموع على الوجوه، ونغفل عن أنهار البصيرة التي أخضلت القلوب؟!، معسكر الحسين لايزال منصوباً يستقبل الوافدين، فهل سنتسلل مع الحر ورفقته الطيبة؟!، الحسين لا يحتاج لدموعنا بل هو الذي يذرف الدمع على تلك الدموع الكاذبة، ألم يأتي يعقوبَ أبناؤه عشاء يبكون؟!، ما نفع ذلك البكاء؟!، إنه بكاء المخادعة والمخاتلة، فلا يغرنكم طنطنة الرجل وبكائه، فكمن تال للآية: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ»، ثم نراه في صف الغريم صريعاً؟!

إن بكاء البهائم والدواب عند الله أفضل من بكاء بعض بني البشر، فمثلاً، لنتأمل بكاء جواد الحسين الصاهل: «الظليمة، الظليمة، من أمة قتلت ابن بنت نبيها»، وهب أن معترضاً اعترض على قول الباقر في ترجمة صهيله، لنتأمل فعل هذا الجواد حين دار حول الحسين ولطخ عرفه وناصيته بدمه، وأخذ يرمح برجليه حتى جرح بعضهم وقتل آخرين، حتى عاد إلى الخيام محمحماً بصهيل عال يطلب النجدة، هل يستوي هذا الفرس الذي قيل انه من أجياد خيل رسول الله، بمن تلطخت بهم جريمة مقتل الحسين، وإن علا منهم البكاء والنحيب؟!

إن البكاء الخافت والصامت أفضل عند الله من بكاء ذلك الذي يبكي وهو ينتزع أقراط بنات الحسين، إذاً فلنقلل كمية الدموع ولنهتم بكيفيتها أو قل ليكن دمعنا درراً، بما تحمل من قيم لا دموع جوفاء لا وزن لها ولا قيمة حين توضع في الوزن يوم الميزان.