أوقاتنا المهدورة

كم هي الأوقات التي نقضيها في تصفح الإنترنت، ومتابعة حسابات الشبكات الاجتماعية، من رسائل «الواتساب»، وقراءة تغريدات «تويتر»، وتصفح صفحات «الفايسبوك»، ومشاهدة فيديوهات «اليوتيوب»، وإلى غير ذلك من حسابات ومواقع، إذ يقضي الكثير منا أوقاتاً طويلة خلال يومه في التجوال عبر محتويات هذه الشبكات والحسابات من دون توقف، حيث تصلنا يومياً رسائل ومعلومات ضخمة، بشكل يفوق قدرتنا على استيعابها ومتابعتها وقراءتها، فضلاً عن القدرة على التمعن فيها، وإدراك ما تحتويه من غث وسمين، إذ يصعب على المرء في ظل هذا التدفق المعلوماتي الهائل تقييم ونقد ومراجعة ما يصله من معلومات وأخبار وصور وفيديوهات، ومعرفة الصحيح منها والمغلوط، أو المفبرك.

وفي ظل هذا التدفق المعلوماتي الذي لا ينتهي هناك من يقضي ليله ونهاره متنقلاً بين هذه الحسابات، متصفحاً الواحد تلو الآخر، من دون ملل أو كلل، فالهاتف الذكي دائماً بين اليدين، من دون أن يفارقه ولو للحظة، فهو على اتصال مستمر بالحسابات الإلكترونية، مستهلكاً وقته وجهده، بل ومتعباً أعصابه في متابعة الكثير مما لا فائدة ترجى منه، وخصوصاً حين يكون هذا الاهتمام منصباً في متابعة قضايا هامشية، أو في أمور تستفز النفس، ويتقزز المشاعر.

أما حين يُسأل هؤلاء عن الأوقات التي يقضونها في متابعة القراءات الجادة، فدائماً ما تراهم يتعذَّرون من قلة الوقت وضيقه، ويشتكون من عدم امتلاك الوقت الكافي للقراءة، حيث ظروف الحياة الصعبة ومشاغلها الكثيرة، والالتزامات الأسرية والاجتماعية التي لا تنتهي.

والسؤال كيف نستطيع تنظم أوقاتنا بطريق خلاقة توائم بين الوقت الذي نقضيه في متابعة ما يتدفق عبر هذه الوسائط، بطريقة لا تستهلك كل أوقاتنا، أو إهداره من دون معنى في متابعة الغث الذي لا طائلة منه، وبين تخصيص أوقات محددة للمطالعة، والقراءة الجادة؟

لقد آن لنا أن نعيد النظر فيما نستهلكه من أوقات في متابعة هذه الوسائط التي تسطو على أوقاتنا، وتسرق منا أعمارنا على حين غفلة، ومن دون شعور منا، والعمل على إعادة جدولة أوقاتنا لصالح الأوقات المخصصة للقراءات الجادة، التي تزيد معارفنا، وتغذي عقولنا بالعلم، وتهذب نفوسنا بالحكمة.

إنه لمن المؤكد أن هذا التحول المرغوب فيه ليس بالأمر السهل أو اليسير، وخصوصاً مع تعاظم إدماننا على الإنترنت، والهوس في متابعة شبكات التواصل الاجتماعي. لكن الأمر ليس بالمستحيل حين التفكير فيه بجد، والانتباه إلى أضرار هذا الإدمان الهوسي وأخطاره، ومن ثم التصميم على إعادة جدولة أوقاتنا بما يفيد تطوير ذواتنا، والعمل على استغلال هذه الوسائط التكنلوجية فيما هو مفيد ونافع لتنمية معارفنا وتطوير ثقافتنا.