الثقافة والمثقفون
كثيراً ما يطرق آذاننا الحديث عن الثقافة والمثقفون حتى أخذ هذا الحديث اهتمام أصحاب الرأي والشأن فأخذوا في البحث عن هذا المصطلح للتعريف به وبأهميته وإن اختلفوا في تحديد معناَ دقيقاً لمصطلح الثقافة، فقال البعض هي «مجموع الاعتقادات والمعارف والقيم والعادات التي يتبناها فرد ما أو مجتمع» «1».
وقال آخرون هي «مجموعة النشاط الفكري والفني في معناها الواسع وما يتصل بها من مهارات ويعين عليها من وسائل تساعد على تقدم شامل للمجتمع في كل جوانب سعيه الحضاري» «2».
وبحسب هذه التعريفات للثقافة نستطيع أن نقول بأن المثقف هو «ذلك الإنسان الذي يتمثل قيم الثقافة العليا ويسعى عبر نشاطه النظري والعملي إلى انجاز تطلعات الثقافة في الواقع الخارجي» «3».
والكلام في مثل هذه التعريفات يطول حتى انه نشر «الفرد كروبر وكلايد كلوكهوهن الأمريكيان في سنة 1952م قائمة تتضمن 160 تعريفاً لمصطلح الثقافة» «4».
على كل حال من خلال التعريفات أيضاً يتضح بأن الثقافة حالة شمولية للشعوب عامة ينهض بها المثقف في الغالب خاصة الذي يعني ويهتم بجوانب من العلوم والمعارف فهي تشكل حاجة ماسة للمثقف، فبما يجب أن يتصف المثقف للنهوض بها؟
سأركز في حديثي هنا على المثقف العربي لأن هناك رؤى بأنه «لم يستوعب تعريف الثقافة باعتبارها تعليم للحرية» «5».
وهناك عدة نقاط أخرى تجعلنا نركز على المثقف العربي منها أيضاً غالباً ما تسود خطاباته وكتاباته المجاملات السياسية والاجتماعية وهذا ما يجعله يضيّع الحق، يقول الدكتور خالد الكركي «أننا نرى بؤس المثقفين العرب وهم يتلاومون بعد أن ضيعوا أخاهم الحق وشقيقتهم الحرية» «6».
وهناك نقطة أخرى جوهرية يتصف بها المثقف العربي الحديث إن صح التعبير للأسف وهي الوقوف عند حد معين في الأكثر وليس الكل فبمجرد أن يؤلف أو يكتب بعض الكتب يرى نفسه قد وصل ما لم يصله الأوائل والأواخر فيرى بأنه قد وصل حد الثمالى في العلم والمعرفة وهو لم يؤلّف سوى كتيبات مع توفر الأجهزة الحديثة ووسائل الكتابة المتطورة ونتساءل ما باله لو كان في القرون الأولى ماذا كان فاعلاً.
رحم الله علماءنا الذين كانوا يؤلفون الموسوعات تلو الموسوعات على ضوء شمعة وبأيديهم محبرة صغيرة ليس إلا.
وعلى هذا الفارق الكبير لن نقول بأن مثقفي اليوم مخيبين للآمال ولكن هناك البعض منهم مَن يدعي وصلاً بالثقافة والثقافة لا تقر لهم بذاك لأنه لايرتقي إلى المستوى العلمي والأدبي وحتى الأخلاقي في بعض الأحيان الذي يسمح له بأن يطلق عليه مثقفاً ليقوم بصقل نفسه أولاً حتى يكون مؤهلاً لأخذ دوره لقيادة مجتمعه وتمثيله ثقافياً.
أخيراً على الفرد والمجتمع أن يعي بأن الثقافة غاية وحالة ماسة يجب على الجميع أن يعيها ويعي أهميتها في بناء كيان الأمة وتلقي رسالتها من الشعوب الأخرى وأنها أداة لتوصيل معتقدك وفكرك ونشاطك إلى غيرك عن طريقها وليست هي مظهر أو زبرجة أو كلمات أثرثر بها أو بضاعة للاستعراض دون جوهر أو مضمون.
بالنتيجة وفي الختام نقول بأن الثقافة واجهة لكل حضارة وهي بلا شك تشكل قوة حضارية لكل امة ولكل شعب وحتى تكون كذلك لابد أن تكون بعيدة عن المتثيقفين الذين يضرون بثقافة شعوبهم وأوطانهم.