الحمدُ لله
قد تكون في أحسن حال، مرتاح البال، مطمئن الخاطر، فتحمد الله على ما أنت فيه. هذا أمر طبيعي جدا، يمارسه كثيرون. أما أن تكون في أشد حالاتك سوءا، في غاية التشتت والاضطراب، فتحمد الله فهذا سلوك ينبئ عن نفس مؤمنة راضية، تدرك معنى الحمد وأهميته وضرورته.
الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري، كما عرّفه كثير من المفسرين. والمقصود بالجميل الاختياري، أي ما اتصف بالحُسن والبهاء، وبكونه شيئا مختارا، أي تم فعله بإرادة اختيارية، وليست اضطرارية. فقد تمدح جهاز هاتفك المحمول لروعة أدائه ودقة مواصفاته، ولكنك لا تحمده على ذلك لأنه لا يد له في هذا الأمر. وقد تمدح فلانا لوسامته، ولكنك لا تحمده عليها، لأنها ليست باختياره، بينما يمكنك أن تحمده على صنائعه وأفعاله الجميلة. فالإنسان لا يستحق أن يُحمد على ما لم يفعله من فعل حسن، كما قال تعالى: «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ».
ولأن الله تعالى بيده الأمر كله، ولأنه «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» ولأنه لا يريد بعباده إلا الخير «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ» «يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً» «يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً» ولا يفعل إلا الجميل «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» حتى وإن بدا ظاهرا غير ذلك، كما في حال إيجاب القتال: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» فلأنه تعالى كذلك، فهو أهل للحمد في كل حال.
وهذا ما تعلمنا إياه الصلوات الخمس المفروضة، إذ نكرر فيها قول «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» في كل حالاتنا التي تمر بنا من صفاء وكدر، وخير وشر، ويسر وعسر، وفرج وكرب، ورخاء وشدة. وفي ذلك درس عظيم ينبغي أن نستشعر عمقه، ونعيشه بحق، ونستوعبه خير استيعاب، إذ يخرجنا، بخاصة في حالات الضيق والضنك، إلى الشعور بالطمأنينة باستحضار جمال ما يفعله الله بنا، وبالثناء عليه بما هو أهله. إنها الحالة التي يحتاجها الإنسان في حياته، كي تستمر من غير بطر في حالة النشوة، ولا الانكسار والهزيمة والكآبة في حالة قسوة الظروف واشتداد الأزمات.
ولعل من أجمل الأدعية الواردة في هذا الباب «اللهم لك الحمد حمد الشاكرين على مصابهم، الحمد لله على عظيم رزيتي». فأن يحمد الإنسانُ الله ربه على مصابه الجليل ورزيته العظيمة، فتلك في نفسها نعمة عظيمة تستحق الحمد ثانيا وثالثا. وهذا ما أشار إليه الإمام السجاد في دعائه إذا مرض أو نزل به كرب أو بلية، فكان مما يقول: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيه مِنْ سَلَامَةِ بَدَنِي، ولَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِي مِنْ عِلَّةٍ فِي جَسَدِي. فَمَا أَدْرِي، يَا إِلَهِي، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ، وأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أَوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ.
أخيرا نقول: «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».