الأديب والشاعر والصحفي السعودي عبدالعزيز الرفاعي
«في الليلة الثالثة عشرة من رمضان العام 1342هـ، وفي تمام الساعة السادسة بالتوقيت الغروبي، أي منتصف الليل، أطلّ وجهك المشرق، وانطلقت صرخاتك مع صوت المسحراتي وهو يقرع طبلته معلناً حلول موعد السحور». لم يكن يظن السيد أحمد الرفاعي الذي كان يعمل مديراً لجمرك منطقة أملج بأن هذه الرسالة التي كتبها لابنه عبدالعزيز بعد مرور عام على ولادته، ستكون وثيقة/شهادة ميلاد لأحد أهم الرموز الأدبية السعودية التي ساهمت في صناعة النهضة الثقافية السعودية والعربية في القرن العشرين.
يُعتبر الأديب والشاعر والصحفي السعودي عبدالعزيز الرفاعي، أحد أعلام الحركة الثقافية السعودية، والذي وصفه الدكتور محمد عبده يماني «1940 - 2010» وزير الثقافة والإعلام السعودي السابق بقوله: «عبدالعزيز الرفاعي، أقرب ما يُمكن أن يوصف به، أنه «أديب» وكل ما فيه أديب، أديب إذا تحدث، أديب إذا كتب، أديب إذا ناقش، وأديب حتى إذا سكت».
ولد عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالعزيز الرفاعي في العام 1923 في «أملج» التي تقع على ساحل البحر الأحمر بين مدينة الوجه شمالاً ومدينة ينبع جنوباً وتبعد عن مدينة تبوك 500 كيلو متر تقريباً. حينما بلغ الخامسة من عمره، انتقل مع أسرته إلى مكة المكرمة التي نشأ وتعلم فيها. الأيام الأولى من قدوم الأسرة إلى مكة المكرمة، شهدت طلاق والديه، ليعيش مع أمه نفيسة بنت أحمد الرشيدي وأختيه عزيزة ومريم في بيت متواضع، لتبدأ فصول رواية من الشقاء والمعاناة.
في السابعة من عمره، التحق بمدرسة الصفا التحضيرية، إضافة لعمله في المساء كبائع لمصنوعات ومنتجات أمه اليدوية لتوفير لقمة العيش. حصل على الشهادة الابتدائية، ثم نال شهادة المعهد العلمي السعودي العام 1361هـ، وعمل بعد تخرجه مدرساً لمدة قصيرة، ثم تنقل في عدة وظائف حكومية، آخرها مديراً عاماً للشعبة السياسية بديوان مجلس الوزراء، ثم مستشاراً بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة حتى العام 1980، كما اختير عضواً في مجلس الشورى في العام 1992.
ويُعدّ الأديب عبدالعزيز الرفاعي، أحد الرموز السعودية الشهيرة التي أثرت المشهد الوطني والعربي بالكثير من المؤلفات الأدبية، كما كان أول مدير عام لمؤسسة اليمامة الصحفية في العام 1384هـ وذلك في بدايات تأسيس المؤسسات الصحفية، كما شارك في إنشاء وإصدار مجلة «عالم الكتب»، إضافة إلى حضوره البارز في أهم المهرجانات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية السعودية والعربية، كما كتب العديد من البرامج المتنوعة للإذاعة السعودية ونشر الكثير من المقالات والدراسات والأبحاث في الصحف السعودية والعربية، وكان يُقيم ندوته الأسبوعية الشهيرة «الخميسية» التي استمرت لأكثر من 30 عاماً، كما أصدر «المكتبة الصغيرة» وهي سلسلة كتب صغيرة في حجمها ولكنها كبيرة في قيمتها وقد بلغ عدد إصداراتها 55 كتاباً لمؤلفين سعوديين وعرب ومسلمين.
وقد كان الأديب الموسوعي عبدالعزيز الرفاعي عضواً عاملاً وفاعلاً في الكثير من الهيئات والمؤسسات واللجان السعودية والعربية، ومنها: المجلس الأعلى للإعلام، اللجنة التأسيسية لرابطة العالم الإسلامي، مجمع اللغة العربية في مصر».
وقد نال العديد من الأوسمة والألقاب والجوائز، سواء من وطنه المملكة أو من بعض الدول العربية، ومنها: وسام الاستحقاق الثقافي التونسي العام 1970، وسام الأدباء السعوديين العام 1973، كما منحته جامعة الملك سعود درع الجامعة العام 1980، ووسام تكريم من قمة مجلس التعاون الخليجي في سلطنة عمان العام 1989 بمناسبة مرور عشر سنوات على إنشاء المجلس.
وقد أصدر الأديب عبدالعزيز الرفاعي الكثير من المؤلفات، ومنها: كتاب توثيق الارتباط بالتراث العربي، كتاب الحج في الأدب العربي، كتاب رحلتي مع المكتبات، ديوان ظلال ولا أغصان، كتاب رحلتي مع التأليف وهو كتابه الأخير الذي نشره قبل وفاته بعدة أشهر. وفي المقابل، كُتب عنه العديد من المقالات والدراسات والتقارير التي وثّقت سيرته وإبداعاته، لعل أهمها كتاب «عبدالعزيز الرفاعي أديباً» للدكتور محمد الحارثي وهو من إصدارات نادي جدة الأدبي.
خلال نصف قرن من الزمن، استطاع هذا الرمز الوطني الملهم بما يملك من فكر ووعي وتطلع أن يُسهم في تنمية وتطوير وتحديث المشهد الثقافي السعودي والعربي. وكثيرة هي الملامح الجميلة التي تُشكّل شخصية هذا الأديب الكبير، فقد كان يملك روحاً شفافة ونفساً متسامحة وشخصية متواضعة، ولكن «الحلم» هي الصفة الأبرز التي اشتهر بها حتى لُقب بـ» الأحنف بن قيس».
في الثاني عشر من شهر شوال العام 1413، ألقى الأديب والشاعر عبدالعزيز الرفاعي قصيدته/ رائعته العصماء «سبعون» في الحفل الذي أقامه نادي أدبي جدة تكريماً له، ومنها هذا البيت الحزين الذي يرثي فيه نفسه لإحساسه بدنو أجله:
حنّتْ إلى عبق التراب جوانحي
لا غروَ يشتاقُ الترابَ ترابُ
شهور قليلة فقط، «ورحل الفيلسوف» عبدالعزيز الرفاعي في فجر يوم الخميس 23 ربيع الأول العام 1414هـ، بعمر ناهز الـ72 عاماً، وصلي عليه في المسجد الحرام، ودُفن بمقبرة المعلاة في مكة المكرمة.