العاصوف.. تجسيد للحقيقة أم تشويه للصورة؟
للعام الثاني على التوالي، يتصدر مسلسل العاصوف المائدة الرمضانية السعودية والخليجية التي تزدحم بعشرات الأعمال الفنية والدرامية التي تتسول الذروة في شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الفضيل الذي تحوّل إلى «منيو/ قائمة دراما» من كل الأصناف والأذواق والرغبات.
للعام الثاني على التوالي، يحصد مسلسل العاصوف الرمضاني المزيد من الجماهير المتناقضة من المحيط إلى الخليج. الكثير من الإعجاب والدهشة والإثارة، وكذلك الكثير من الخوف والتوجس والريبة، الأمر الذي جعل من هذا العمل الدرامي الكبير، حديث المجتمع السعودي والخليجي، وتحوّلت «عائلة الطيان» التي انتقلت من حي السبالة في الرياض القديمة إلى حياة المدينة بكل ما فيها من صدمة حضارية طالت كل أفرادها، إلى نموذج يتكرر في كل المجتمعات الخليجية والعربية. لقد أصبحت عائلة الطيان التي تعيش حالة من عدم التوازن والثبات نتيجة التطورات والتحولات التي حدثت لها، حديث المجالس السعودية والخليجية.
مسلسل العاصوف الذي يعرض وبشكل جريء التحولات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية التي مرّ بها المجتمع السعودي في حقبة زمنية صاخبة، دشّن صناعة درامية حقيقية، بعد عقود من الخوف والتوجس من توطين الفن.
إن مسلسل العاصوف المأخوذ من رواية الكاتب السعودي الراحل عبدالرحمن الوابلي «بيوت من تراب»، يُعدّ «طفرة» حقيقية في عالم الدراما السعودية التي توقفت/ تجمدت عند العمل الفني الشهير «طاش ما طاش». وبعيداً عن الجدل الكبير الذي أحدثه مسلسل العاصوف بين مؤيد ومعارض، فهو قد نجح وبشكل كبير في جذب اهتمام ومتابعة مختلف مكونات وتعبيرات المجتمع السعودي الذي شاهده بزوايا وأبعاد مختلفة، وهنا تكمن قيمة الفن الحقيقي الذي يكره التنميط والتأطير والأدلجة.
مسلسل العاصوف، عمل فني ضخم، تطلب توفير «حقبة زمنية» متكاملة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وحدثت فيه بعض الأخطاء، وهذا وارد وطبيعي، ولكنه في ميزان النقد، يُعتبر المحطة الأهم في تاريخ الدراما السعودية الحقيقية.
مسلسل العاصوف يعرض المجتمع السعودي في حقبة زمنية مثيرة، تشكّلت فيها الكثير من الأفكار والثقافات والقناعات، كما لامس الكثير من الأزمات والتوجهات والتحديات، وتلك هي الوظيفة الكبرى للفن وللدراما على وجه الخصوص باعتبارها قوة ناعمة كبرى آن لها أن تُستثمر.
العاصوف مسلسل سعودي يوثّق مرحلة مهمة من مسيرة وطن بكل ما فيها من تفاصيل وأحداث وصور، ولكن بشيء من الجرأة والواقعية والصدق، الأمر الذي اعتبره البعض تشويهاً وتزييفاً لصورة وحقيقة المجتمع، ليتجدد السؤال للعام الثاني على التوالي: لماذا كل هذا الخوف من العاصوف؟