هل يحتاج الوالدان ليوم عالمي؟
للعام الثامن على التوالي، تحتفل البشرية باليوم العالمي للوالدين الذي صادف يوم أمس، وهو احتفال أممي منذ عام 2012 أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكون الأول من يونيو من كل عام يوماً عالمياً للوالدين، تكريماً لهما من كل مجتمعات العالم وتثميناً لدورهما الكبير في صناعة الأجيال البشرية التي تُسهم في تنمية وتطور الحضارة الإنسانية.
وتخصيص هذا اليوم العالمي للأب والأم في مناسبة واحدة، رسالة عظيمة من هذه المنظمة الدولية المرموقة التي تُعد مظلة شرعية لكل دول العالم، بحق الوالدين الذين قدما كل التضحيات والعطاءات للأبناء، وهم بذلك يستحقون التكريم والتقدير لالتزامهم الدائم بنكران الذات وإخلاصهم الشديد لفلذات الأكباد.
والكتابة عن الوالدين، تحتاج لاستدعاء الكثير من المعاني والمضامين، لما لهما من مكانة وقيمة، نصّت عليها كل الشرائع السماوية والوضعية، خاصة ديننا الإسلامي الحنيف الذي بالغ بالاهتمام والعناية بالوالدين، وهل هناك أسمى وأرفع من هذه المنزلة العالية والقيمة السامية التي منحها الله عز وجل للأب والأم، حيث قرن عبادته ببرهما «وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا».
وفي خضم هذه الحياة المتسارعة التي سرقت منا الكثير من القيم والسلوكيات، لم تعد العلاقة التي تربط بين الوالدين والأبناء، قوية ومتينة، وذلك لأسباب كثيرة لست بصدد ذكرها هنا بالتفصيل لأنها تستحق مقالاً مستقلاً. لقد تغيرت حياتنا كثيراً وأصبحت أكثر تعقيداً، كما طرأ الكثير من التحديث والتبديل للعديد من الأشكال والأنماط التي كانت تُشكّل حياتنا بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وتحوّلنا كأفراد ومجموعات إلى ما يُشبه «الجزر المعزولة» عن بعضنا. في عصرنا الراهن هذا، استبدلنا حياتنا الحقيقة بواقع افتراضي، ولم نعد نُشبه أنفسنا أو نُمسك بأحلامنا.
كثيرة وكبيرة هي الظروف والتحديات التي أوجدت هوة شاسعة بين مختلف الأجيال، مما وضع الوالدين في تحد دائم للوصول إلى عقل وفكر الأبناء. لم تعد الأدوار والمفاهيم التقليدية التي كانت تنظّم العلاقة بين مكونات الأسرة، قادرة على حماية أفرادها من التشتت والتفكك، فكل جزء/فرد يبحث عن ذاته الصغيرة وحياته الخاصة، بعيداً عن وصاية وسيطرة الوالدين.
يبدو أن الوقت قد حان لصناعة طرق وأساليب جديدة لتأطير وتشكيل العلاقات الأسرية، لتتناسب مع طبيعة المرحلة وظروف العصر، أهمها على الإطلاق هو أن لا يقتصر دور ووظيفة الوالدين على توفير السكن والملبس والدراسة وغيرها من التفاصيل الحياتية الأخرى، وهي بلا شك مهمة وضرورية، ولكن الأهم هو تحقيق «التوازن الأسري» الذي يجعل من الوالدين صديقين للأبناء، يُشاركونهم أفكارهم وتحدياتهم.
وفي اليوم العالمي للوالدين، لا أملك إلا أن أدعو الله أن يحفظ كل الآباء والأمهات، فهم شلال الحب ومعنى الحياة، وأقول لأبي وأمي يرحمهما الله: رحلتما فأصبحت الحياة بلا حياة.