العقرب الذي يُريد أن يعبر النهر
لا أعرف إذا كنت - عزيزي القارئ - قد سمعت عن قصة العقرب والضفدع التي تستحق أن تُروى على مسامع الزمن لما تحمله من فلسفة عميقة وحقيقة مرة.
كان هناك عقرب يُريد أن يعبر النهر، ولأنه لا يستطيع السباحة، طلب من ضفدع يسكن بالقرب من النهر أن يُساعده قائلاً له: ”لماذا لا تجعلني أعبر النهر على ظهرك، فأنا لا أستطيع السباحة؟“. قال له الضفدع: ”كيف لي أن أساعدك، فأنت عقرب وقد تلدغني فأموت بسمّك القاتل، أنا لن أفعل ذلك؟“. فقال له العقرب: ”آه أيها الضفدع الغبي، من المستحيل أن أفعل ذلك، لأنني إذا لدغتك فسنغرق معاً“.
وجد الضفدع أن كلام العقرب منطقي للغاية، ولا يمكن له أن يفعل ذلك، لأنه لا يُريد أن يغرق فيموت، إضافة إلى أنه بهذه الخدمة الرائعة التي سيُقدمها للعقرب، سيكون صاحب فضل عليه، بل وقد يُساعده على تغيير طبعه الشرير.
وافق الضفدع، وحمل العقرب على ظهره، وفي منتصف النهر، لدغه العقرب، فقال له مذهولاً: ”لماذا فعلت هذا؟“، فأجابه العقرب: ”لأنني عقرب“، وغرق الاثنان معاً.
العقرب هو العقرب، ولا يستطيع أن يكون غير ذلك، حتى وإن حاول جاهداً أن يُغير من طبعه وسلوكه، فممارسة اللدغ هي هوايته المفضلة، بل وظيفته التي لا يُجيد غيرها.
وعالم الإنسان، لا يختلف كثيراً عن عالم الحيوان، فالكثير من الممارسات والطباع هي نفسها. نعم، الإنسان مُخيّر، بينما الحيوان مُسيّر، ولكن الدروس والعبر بين العالمين تستحق التأمل والتفكر.
في كثير من الأحيان، قد نُصاب بخيبة أمل من أشخاص قدمنا لهم الكثير من الخدمات والمساعدات، ولم نكن ننتظر منهم كل هذا الجحود والنكران.
من منا لم يتعرض للخيانة والخذلان من الآخرين، بل ومن المقربين؟، ومن منا لم يُلدغ من أولئك العقارب/البشر الذين حملناهم على ظهورنا كل تلك السنين لنعبر بهم نهر الحياة؟، ومن منا لم يُصب بالصدمة والذهول وهو يتجرع سموم الغدر والخيانة؟.
قد تكون قصة العقرب والضفدع، مؤلمة حدّ الوجع، ولكنها لا يجب أن تُحرضنا على التخلي عن إنسانيتنا وأخلاقياتنا، بل على العكس تماماً، فنحن مطالبون على الدوام بمد يد العون لكل من يستحق، فليس بالضرورة كل من يُريد أن يعبر النهر هو ذلك العقرب.