شهقة وطن
قالت: سألت ولدي ما بالك غائب هل يومين عني وهي جالسة تسأله عن أحواله وأثناء الحديث والكلام يأخذ بعضه خرجت بعض الكلمات كنت تعبان البراحة من شدة التعب حسيت روحي بتطلع رحت المستشفى وقال لي الطبيب عندك تسمم، شهقة الأم شهقة ضرب لها السكر في العيون غطت الأم وجهها بكفيها لتلوذ بهما عن ناظري ولدها كي لا يحس برقرقة الدموع التي حاولت أن تحبسها خوفا على مشاعره فهو لا يتحمل أن يرى تلك العيون المتعبة تذرف ولو دمعة واحدة لكن وصلت الشهقة التي خرجت من قلبها إلى مسامعه لذا كان وقعها كالصاعقة التي اخترقت احشائه لتضرب في صميم قلبه، أليس هما قلبا واحدا في جسد ين؟.
فما كان منه إلا أن تبسم ليغير من تلك الملامح الحزينة والكئيبة التي علت محياه، ويقول لها لا تقلقي أنا امازحك عمر الشاقي باقي مثل ما يقولوا اطمئني. أيتها الأم فهذا مواطن من الدرجة الأولى يعرف قيمة الوطن والمواطنة ويقدر ممتلكات وطنه من الحب والتضحية.
كم هي رائعة تلك الصور الي تربط الوطن بالمواطن علاقة الأرض بالزرع التي تمتد فيها الجذور للاعماق لترتوي بالسمو الروحي والولاء لوطن الحب والمشاعر الإنسانية والتي تعطي صورة إنسان تفوح منه رائحة الأرض.
الذي خلق منها وتكونت دمائه منها لتتدفق في شرايينه وتمنحه الحياة، حياة أولها قطرة من دمها وأخرها دمعة من عيونها وما بينهما متاعب السنين واهات الليالي ووجع الأيام، ليصبح له وطن يأمن في حضنه ويستظل بظلاله حضن يجمع ويلم إذا ما فقد صار الشتات والغربة وضاعت الهوية.
الجانب المعاكس لعلاقة الوطن بالمواطن، فمتى ما كانت هذه العلاقة قائمة على المقارنات التي هي من اخطر الآفات التي تفسد كل ما هو جميل في حياتنا وتقدر صفو العلاقات، فالغرور حماقة خاصة في مثل هذه العلاقة المقدسة فهي خسران مبين، الوطن والسكن علاقتان قائمتان على الرحمة كلا منهما يكمل الأخر بل أن الثاني يستمد قيمته وبقائه من الأول لأنه سر البقاء واساس الرحمة الإنسانية التي اودعها الخالق سبحانه وتعالى في هذا الكيان البشري، ألا وهو الأم فهي جنة الله على الأرض وغمامة الرضا والغيمة الماطرة بغيث البركة والرحمة، أما السكن فهو امتداد واستكمال لتلك الرحمة لتهدأ فيها النفس وتسكن فيها رغباتها وشهواتها ويستقر الجانب العاطفي في ذاك السكن الشرعي الذي هيأه الله لك، فأنت رهن تلك العلاقتان
قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «21» الروم
وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ «14» لقمان