مهن قطيفية غادرت الزمن
تستمد الشعوب من تاريخها عناصر قوتها وتماسكها الاجتماعي وإرادتها المشتركة موروثها البيئي والمهني. والقطيف تزخر بكنوز وإبداعات وأمجاد اشتهرت بها منذ أقدم العصور فواحاتها الخصبة الغنية امتلأت بثقافات عريقة كانت تسمح بتبادلها مع ثقافات وحضارات اخرى.
وسوف استعرض في مقالتي هذه بعض الحرف او كما يطلق عليها المهن اليدوية التي اشتهرت بها منطقة القطيف وغيرها من مناطق الخليج ومن خلال هذه الكلمات التي من خلالها اتقدم بالشكر الجزيل للاخ والزميل الاستاذ عبد الرسول الغريافي هذا الرجل المجتهد في احياء التراث والحفاظ على هذا الموروث القطيفي والذي اتطلع على هذا المقال ووضع بعض لمساته بصفته صاحب الباع الطويل بكل مايتعلق بتراث القطيف.
الحرف او المهن القديمة كما يطلق عليها هدية التاريخ العريق الى ابناء القطيف، فهي علامة على اكتناز عوالم الموروث الشعبي الأصيل في الذاكرة الحضارية، تعبر بدقة عن مهارة الحرفيين في هذه المنطقة العريقة الذين شكلوا وجه الحياة في أطوار حياتهم المختلفة حتى أضحت هذه المهن سجلاً زاخراً بالإنجازات وواحة تطل على الماضي من شرفة الحاضر.
وتبرز من خلالها البيئة الاجتماعية، بكل تفاصيلها العامرة. كالبيئة البحرية المتمثلة بشباك الصيد والمراكب التراثية، وأسرار الغوص عن اللؤلؤ، وقصص النواخذة، والحياة المفعمة بالجهد والعمل، والبيئة الزراعية التقليدية التي كانت تشكل ثروة غنية في منتوجها المتنوع بمهارة الفلاحين، وكذلك الاسواق التراثية بما تحتويه من حياة نابضة بعبق الماضي المجيد.
ان البحث في ثنايا الأزمان والدهور للوصول الى مكامن الدرر التراثية هو هاجس كل مهتم بالتراث واثر الاجداد واليوم وخلال تقصي حوادث التاريخ فيما يخص المهن والحرف اليدوية التي كانت تتمتع بها منطقة القطيف، نجد ان هناك العديد من المهن المتفرقة قد غادرت محلاتها واروقتها الثابتة والمتنقلة الى غير رجعة، فمنها ما قد عفا عنها الزمن وذلك لانتفاء الحاجة لها ومنها ما اصبحت غير مجدية وفي كل الاحول يعزى السبب الى التطور والحداثة وما حصل من تطور علمي جعل من تلك المهن تكون قديمة.
حيث ان اهالي القطيف خاصة ومنطقة الخليج عامة، في السابق كانوا يجتهدون في العمل وتحقيق الكسب والزرق فكانوا ينبذون الاتكال على الغير حيث لا يستعلى احد على عمل اليد لذلك نالوا نجاحا واسعا في اغلب المهن التي عملوا واشتهروا بها، وسوف نستعرض هنا وعلى عجاله بعض المهن السابقة التي غادرت محطاتها.
«الطحن»
فمن المهن المنقرضة هي «الطحن» فكان في السابق هناك مهنة الطحن «للتعريف هيا حجر يستخدم في لطحن الحبوب ويعمل يدوياً»، فكما يعلم الجميع كانت الحبوب تطحن في البيوت بواسطته، وهي عبارة عن حجرين دائريين يركب الواحد فوق الآخر، مع لحاظ ان الحجر الاسفل يكون اكبر قليلا واسمك أما الحجر العلوي فيكون أقل سمكا ولا يشترط بكونه من الحجر فقد يكون من المعدن، وتتوسط الحجرين فتحة تمرر من خلالها قضيب من الخشب، يمثل محورا لدوران، اثناء العمل من خلال تحريك الحجر العلوي دائريا من خلال مقبض، واثناء الحركة الدورانية والضغط تطحن الحبوب ليخرج الطحين من الجوانب.
وبمرور الزمن، اندثرت هذه المهنة لعدم استعمال الطحن وتوفر المطاحن الحديثة التي تعمل ميكانيكيا، وفي الاستعمال المنزلي توفرت الطواحين الكهربائية بكثرة فصارت مهنة «الطحن» من الماضي وقد غادرها الممتهنين لها لعدم جدواها في الوقت الحاضر.
«الصفافير والحدادين»
ومن المهن التي انقرضت ايضا «مبيض القدور ويسمى الصفار» حيث كان في السابق اغلب أواني الطبخ من النحاس وكانت تسود من الاستعمال حيث كان الناس يطبخون بالحطب ونتيجة لهذه الترسبات المختلفة وبمرور الزمن يتحول القدر الى اللون الاسود وله مضار صحية كثيرة على الطعام فيضطر الناس الى تنظيفه.
أما اليوم فتحولت أواني الطبخ الى مادة الالمنيوم ثم «الأستيل» ثم «الستل ستيل» وهي خاصة بالطعام ولا تصدأ ابدا وكما ظهرت قدور السيراميك وقدور الكرانيت وغيرها مما جعل من هذه المهنة تضمحل وتغادر ساحاتها الا بعض الاماكن النادرة جداً. توجد أسواق خاصة لصناعة الأدوات النحاسية يطلق عليه «سوق الصفافير».
وكذلك الحدادةحرفة تقوم على استخدام مادة الحديد المتوفرة وتحويره في أشكال كالمقابض وأعمدة الحفر والسكاكين والمناجل والمجارف والسلاسل وغيرها، وأغلب العاملين من كبار السن وتمارس هذه الحرف في سوق الحدادة في سوق الخميس «مياس» قديماً
«النجار»
والعمل الرئيسي للنجارين قديماً يكمن في صناعة الأبواب الخارجية الكبيرة للمنازل وأبواب الغرف والشبابيك والكراسي الكبيرة، بالإضافة إلى الخزانات والتخوت وكراسي القداوة والقباقيب وغيرها من المستلزمات المنزلية.
«الأستاد والبناي»
يطلق على معلم البناء المقاول ”الأستاد“، الذي يقوم بدور المهندس والمنفذ للبناء والمسؤول عن البنائين، ويقوم بجميع الأعمال المتعلقة بتشييد البيوت من وضع أول لبنة أساس للبيت إلى حين اكتمال آخر لمساته، في حين يطلق على عامل البناء ”البناي“، الذي يقوم بأعمال تتطلب جهداً عضلياً لمساعدة أستاد البناء في إنجاز عمله.
«وصناعة القفة والحصير وغيرها»
إن الحرف اليدوية المرتبطة بالنخلة هي خير دليل على استغلال الحرفي القطيفي لخامات البيئة المحلية وتطويعها لصناعة الأدوات التي يحتاج إليها في استخداماته اليومية لتسيير أموره الحياتية والمعيشية
النخلة تلك الشجرة التي أحاطت بالإنسان القطيفي كانت ولا تزال مصدر فخره واعتزازه وأساس معاشه اعتمد عليها في مأكله ومسكنه إذ لا يخلو بيت قديم من جذع النخلة وسعفها وجريدها.
لقد استفاد الانسان القطيفي من كل جزء من النخلة، وقامت عليها العديد من الحرف فمن جذعها عملت الأسقف للبيوت الطينية لما يميزبه من صلابة ومقاومة لظروف الطقس المختلفة، كما صنع من ليف النخلة الحبال المتينة التي تستخدم لأغراض مختلفة في البر والبحر، ومن جريدها صنعتَ البيوت المسماة.
كما تقوم على سعف النخيل صناعات متعددة منها «الحصير» الذي تفرش به أرضية المنازل، أو الذي يستخدم كبساط ينشر عليه الرطب حتى يجف ويصبح تمرا. ومن خوص النخلة تصنع السلال على اختلاف أنواعها واستخداماتها مثل «القفهَ» التي تستخدم لحفظ الملابس، أو وضع الأغراض في أثناء التسوق قديما و«المرحلة» والتي تكون عادة أكبر حجما وهي خاصة بالمزارعين يجمعون فيها التمور والخضروات لحملها إلى الأسواق، و«الزبيل» وهو أصغر من المرحلة ومن الأدوات الخوصيهَ «المهفهَ» وهي عبارة عن مروحة يدوية صغيرة تصنع من الخوص على شكل مربع وتنتهي بمقبض، و«السفرهَ» وتصنع على شكل دائري بالخوص الملون في وحدات زخرفيهَ جميلة ويستخدم مفرشا للأكل.
صناعة الفخار.
هي من اقدم المهن والتي التصقت بهذه الارض الطيبه منذ القدم. وتعد صناعة الفخار من أقدم الصناعات اليدوية في القطيف، ويرجع تاريخها إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.
وتعتبر القطيف والاحساء هي مركز صناعة الفخار في المنطقة، وترجع مهنة صناعة الفخار في القطيف الى التاريخ القديم وتشمل صناعة الفخار غير الجرار كالاوعية الفخارية والمزهريات وايضا المجسمات الفخارية المميزة.
وهناك مهن اخرى ذهبت طي النسيان ولم يبق منها سوى الذكرى. مثل المصور الشمسي، المحسن، المختن، الحمالي، وبائع الفرارات الهوائية والطيارات الورقية للأطفال وغيرها.
وان شاء الله سنستعرض بعض المهن الفلكلورية بشيء من التفصيل في المقالات القادمة لبعض المهنيين من الرعيل الاول الذين قدموا للمجتمع القطيفي خدمات جليلة في مجال هذه المهن والذي يمثل جزء من ماضي القطيف الجميلة. والذي يعد امر في غاية الاهمية خاصة للاجيال القادمة ان ننقل لهم ماضينا العريق ونعرفهم على الموروث الشعبي القطيفي. ونسكب في اذهانهم المعرفة وحب الاصالة والتراث والماضي.