ثقافة القراءة في ظل التغول التكنولوجي
في زمن الثورة الإلكترونية، وانتشار الشبكة العنكبوتية، والتقنيات الحديثة، تتباين الآراء حول أهمية الاختراعات الجديدة في تدريب الأبناء وتعويدهم على عادة القراءة والاهتمام بها. ففيما يرى البعض بأنه يمكن استغلالها والاستفادة منها في التعلُم والقراءة والتثقف ونقل المعرفة، يرى آخرون بأن الكمبيوترات، والهواتف النقالة، والأجهزة السطحية اللمسية، والتي تغزو السوق، قد خطفت ألباب الأطفال وجعلتهم أسرى هذه الأجهزة، وجعلتهم ينكبون عليها وعلى مختلف وسائط التقنية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ليس من أجل الاستفادة منها في التعلم والقراءة والتثقف والبحث عن المعرفة، وإنما لقضاء الأوقات الطوال معها في التسلية واللعب، خصوصاً أن الطفل اليوم محاط بعالم افتراضي مليء بالألعاب الإلكترونية، والتي يمكن لبعضها تبديد وقته، والإضرار ببصره وأعصابه، وحرف طاقاته وفكره.
وفي سياق الحديث عن علاقة وسائل التقنية الحديثة بموضوع القراءة، وانعكاس ذلك على واقع مجتمعاتنا، يتساءل سلمان علي العريني "إنه مع وسائل التقنية الحديثة مثل الآي باد، والنت، والتويتر، والفيس بوك، وغيرها، هل تغير شيء في ثقافة القراءة لدى المجتمع السعودي؟
ويجيب العريني بالقول: عندما نُقيِّم ثقافة القراءة عند أبنائنا نلاحظ أنها دون المؤمل، ولم تؤثر أدوات التقنية كثيراً فيها، فمازالت الشعوب العربية من أقل شعوب العالم نسبة في قراءة الكتب، وما زالت استخدامات النت في العالم العربي تتركز على المحادثات والألعاب وغيرها، وبدرجة أقل كثيراً في البحث عن المعلومات والثقافة.
ويضيف بأن أطفال المملكة بين السنة إلى الثامنة عشرة من أعمارهم يميلون إلى قضاء جل أوقاتهم في اللعب وهم جالسون، مثل اللعب في النت أو الآي باد مثلاً، أو مشاهدة الأفلام والمباريات، وقلة قليلة منهم يخصصون وقتاً يومياً للقراءة، وهذه عادات وسلوكيات اكتسبها المجتمع على مدى عقود وعقود وليست وليدة اللحظة، ولا يمكن للنظام التعليمي وحده أن يحل المشكلة، فهي إلى جانب أنها تراكمية؛ فإنها شاملة من حيث الأطراف المؤثرة، التي من أهمها البيت والمدرسة والحي والجامعة والإعلام، فكيف نحل المشكلة؟ ومن المسؤول عن تنفيذها؟ وكيف يمكن لنا قياس التحول إلى مجتمع يعيش ويتنفس ثقافة القراءة؟ ". «1»
وحين يكون موضوع القراءة على هذه الدرجة من الأهمية، فإن من مسؤولية الجهات ذات العلاقة بالطفل المساهمة في تنمية ميول القراءة لديه، بدءاً من البيت، مروراً بمرحلة رياض الأطفال، والمدرسة، والمكتبة العامة، ووسائل الإعلام المختلفة، ونوادي الأطفال ودور الشباب، وأن تهتم هذه الجهات بتثقيف الأبناء كي يكونوا مؤهلين لخوض تحديات المستقبل، وهم محملين بكل أسباب التفوق والنجاح، على الرغم من كل المعوقات والتحديات التي تفرضها عوامل اللهو والتسلية المختلفة، ووسائل الاتصال الحديثة، ومشاغل الحياة، وربما مشكلات المحيط العائلي.
وإذا كان للأسرة دور مهم في تربية الأبناء على عادة القراءة، وزرع حب القراءة في نفوسهم، وتعويدهم على الاهتمام بها منذ سني التنشئة الأولى، كما أشرنا إلى ذلك في مقالة سابقة، إلا أنها ليست الجهة الوحيدة المناط بها هذا الدور، إذ أن للتعليم في كل مراحله أيضاً دوراً مهماً في هذا المجال من خلال التوعية بثقافة القراءة، وتسليط الضوء على أهمية القراءة، وترويج وتعزيز أهمية الثقافة القرائية بين الطلبة، خصوصاً الصغار والناشئة، وتثقيفهم وتوجيههم وتعويدهم على عادة القراءة، وغرس حبها في نفوسهم.
إن تنشئة جيل محب للقراءة والمعرفة يتطلب الاهتمام بموضوع القراءة، ووضعها من ضمن الأولويات المهمة في النشاطات المدرسية. فغرس قيمتها بين طلاب المدارس، وتربيتهم على عادة القراءة وحبها منذ مراحل التعليم الأولى، يتطلب إقامة النشاطات والبرامج والورش والمحاضرات التي تحض على القراءة وتشجع عليها، وتزرع حب القراءة في نفوس الطلبة.
بالإضافة إلى ذلك زيارة المكتبات العامة والخاصة، ومكتبات بيع الكتب، والمراكز العلمية والثقافية، كالأندية الأدبية والثقافية والتعرف عليها، فضلاً عن استغلال الأوقات التي تقام فيها أي فعاليات ثقافية والمبادرة إلى زيارتها، كمعارض الكتب، بهدف ربط الطلبة بالحدث الثقافي بشكل مباشر، كي تتوطد علاقتهم بالمكتبة، وتبرز قيمة الكتاب في أذهانهم، وتنمو علاقتهم مع القراءة، وتتكرس قيمتها في نفوسهم منذ الصغر، وتصبح جزءاً من شخصيتهم وكينونتهم في الصغر، وهم يكبرون، وطوال حياتهم.
الهوامش
- ثقافة القراءة في المملكة ودور وزارة التربية والتعليم. سليمان علي العريني. جريدة الوطن السعودية. 08/08/2011