ما الدوائر الخمس التي تُسيطر على حياتنا؟
كثيرة هي المعايير والمقاييس التي تُستخدم للكشف والقياس عن طبيعة ودواخل البشر، فمنذ أن بدأ الإنسان يسكن المدن ويعيش التحضّر وأصبح ينتمي إلى مجموعة أو فئة، أظهر قدرة فائقة على توليد الأفكار والرؤى وإنتاج الثقافات والسلوكيات، لتبدأ مرحلة جديدة من عمر البشرية تُمثّل اصطفاف وانتظام المجاميع الإنسانية في قوائم ودوائر. ولكن، ما الدوائر والسياجات التي كانت وما زالت تُسيطر على الإنسان، لدرجة أنه لا يستطيع الهروب أو الانعتاق منها، لما تملكه من قوة وتأثير فيه كفرد أو على الجماعة التي ينتمي إليها؟
تلك الدوائر الكثيرة والكبيرة تحتاج إلى دراسات وأبحاث ضخمة ومتخصصة، وسأكتفي بخمس منها:
الأولى: وهي ”دوائر التعاطف“ التي تُمثل حزمة المشاعر والانتماءات الإنسانية والعرقية والطبقية والقبلية والأسرية والعقدية. دوائر، قد تكبر أو تصغر، تبعًا لتموّج وتذبذب التجارب والخبرات التي تُصيغها وتُشكّلها عادة عوامل التنشئة والبيئة الاجتماعية.
الثانية: وهي ”دوائر التواصل“ التي أصبحت تُهيمن على تفاصيل حياتنا الخاصة والعامة، ورغم أنها - أي تلك الدوائر - من مرتكزات العولمة التي جعلت من هذا الكون الفسيح مجرد قرية إلكترونية صغيرة تترابط وتتشابك أجزاؤها وكياناتها، نجد دوائر التواصل والاتصال تلك قد تحوّلت إلى سجون إلكترونية ضخمة تقبع في زنازينها المليارات من البشر.
الثالثة: وهي ”دوائر الخوف“ من كل جديد ومختلف عن السائد والمألوف. فهذه الدوائر التي تعشق الأمس وتقبع في الظلام، تكاد تخنق كل الأفكار والثقافات الجنينية التي لا تحمل نفس ال DNA. دوائر خائفة ومرتبكة من كل الأفكار والأشكال التي ليست طبق الأصل.
الرابعة: وهي ”دوائر الجهل“ التي تحجب أنوار العلم والمعرفة وتكره المغامرة والتحرر. فالجهل بيئة حاضنة وخصبة لكل آفات التخلف والتخشّب كالطائفية والعنصرية، والظلم والفساد، والتطرف والإرهاب، والاستغلال والازدراء، والفقر والحرمان.
الخامسة: وهي ”دوائر التراث“ التي تُعدّ الأكثر خطورة وتأثيرًا على بنية وفكر الوعي البشري. فالتراث بكل ما يتضمن من أفكار ونصوص، ومؤلفات وروايات، وموروثات واجتهادات، إذا لم تُرافقه أدوات وتفسيرات تجديدية وتصحيحية، سيتحوّل إلى دوائر مقفلة تتكسر على أبوابها كل مفاتيح التنوير والتحرر.