هل يتغير العالم بعد كورونا؟
وباء كورونا سيئ الصيت، سينتهي عاجلاً أم آجلاً، كغيره من الأوبئة والأزمات الخطيرة التي اجتاحت البشرية مخلفة الكثير من الخسائر والضحايا، وصفحات التاريخ القريب والبعيد تغص بقصص مؤلمة وأحداث كارثية دمرت المدن وأزهقت الأرواح، لكنها الآن مجرد حكايات وذكريات، بعضها للتذكر والتأمل، بينما تحوّل بعضها الآخر إلى دروس وعبر.
من السابق لأوانه، اختيار المركز الذي تستحقه هذه الجائحة البغيضة ضمن قائمة ”أسوأ الأحداث على مر التاريخ“، ولكنها حتماً ستكون من بين المراكز الأولى.
هذه الجائحة الخطيرة التي ستسكن كتب التاريخ والذاكرة الإنسانية، يجب أن تدق ناقوس خطر على الكثير من أفكارنا وثقافاتنا وسلوكياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا والتي آن لها أن تتغير أو تُعاد صياغتها من جديد لتتناسب مع مرحلة ما بعد وباء كورونا، ولتكون منسجمة مع طبيعة وظروف الواقع الجديد الذي سيتشكل في العالم بعد القضاء على هذه الجائحة الخطيرة. وهنا سأضع في عجالة وبشكل مباشر، بعض المتغيرات والمستجدات التي آن لها أن تطال تلك الأفكار والثقافات والعادات لتتناغم مع واقع ما بعد وباء كورونا، وذلك على كل الصعد والمستويات: العالمية والوطنية والمجتمعية والشخصية.
فعلى الصعيد العالمي، يبدو أن الوقت قد حان لنشر السلام والتسامح والتضامن والتآلف والتعاون بين كل شعوب العالم التي تسكن هذا الكوكب الساخن بالأحداث والكوارث والأوبئة والأزمات، والتي تعيش جميعاً نفس هذه الحياة المعولمة وينتظرها نفس المصير الواحد، وجائحة كورونا التي ما زالت تفتك بآلاف الأرواح وتُعطّل كل الحياة خير دليل على ذلك. لقد آن لكل دول وشعوب ومجتمعات العالم أن تُدرك أن خلافاتها ومواجهاتها وصراعاتها ستكون عبئاً عليها وعلى العالم بأسره، وأن الحكمة تقتضي أن يعيش العالم في سلام وأمان وازدهار، وأن يُعاد ترتيب الأولويات والتحديات المشتركة لكل البشر، وأن تُصاغ مفاهيم وعلاقات جديدة مبنية على ثقافة العيش المشترك والمسؤولية الرشيدة والسلم العالمي.
لقد حان الوقت الآن وأكثر من أي وقت مضى، لأن تُسن وتُشرّع قوانين واتفاقيات بين كل دول العالم لتنظيم وتوحيد الجهود ضد كل ما من شأنه أن يتسبب في تدمير البيئة النباتية والبحرية والحيوانية، فضلاً عن الإنسانية، لأنها - تلك البيئات - مصدر غذاء وأمان واستمرار الحياة في كل العالم. أيضاً، لا بد من نصح، بل الضغط على الكثير من الدول التي تعيش الفوضى والانفلات الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي، وكذلك الدول التي تسمح لمواطنيها بأكل الحشرات والديدان والخفافيش والحيوانات الضارة والتي قد تُسبب ظهور بعض الأمراض والأوبئة الخطيرة كفيروس كورونا وغيره الكثير.
كذلك بات من الضروري وقف ذلك السعار المجنون لصنع الأسلحة الفتاكة والنووية والتدميرية التي تجعل من هذا الكوكب الملتهب أصلاً على موعد دائم لحفلات الموت والهلاك.
المقال القادم، سيتناول بعض الأفكار والثقافات والسلوكيات والعادات التي آن لها أن تتغير وتُصاغ من جديد على الصعيد الوطني.