كيف انتصرت النخب الجديدة؟
يُعدّ مصطلح النخبة، من أكثر المصطلحات تعقيداً والتباساً، ليس على مستوى التعريف والتوصيف فقط، ولكن على مستوى الضبط والتدوير، الأمر الذي جعل من هذا المصطلح العابر والغامض، أحد أهم السياقات والتوافقات التي أسهمت في تصنيع الرأي العام، وإنتاج الوعي الجمعي.
ويبدو أننا بحاجة ماسة لتحرير تعريف عام لمصطلح النخبة ليكون جسر عبور آمن لهدف هذا المقال وهو: النخبة الجديدة.
النخبة، مصطلح فرنسي Elite من أصل لاتيني، يتمحور معناه حول عدة مفاهيم منها: الصفوة المنتقاة، وأفضل جزء في الشيء، والطبقة المميزة. وبشيء من الاختصار والاختزال الشديدين، النخبة هي فئة بارزة في المجتمع لها مكانة مميزة وذات اعتبار، ولديها القدرة على ممارسة التأثير والإلهام على مكونات وتعبيرات المجتمع بما تملك من مواهب وقدرات.
لقد كانت النخب التقليدية السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية والإعلامية، تُمثّل واجهة مجتمعية كبرى، بل وصورة باذخة في قناعة المجتمع بمختلف فئاته ومستوياته، وذلك بفضل القيمة والمكانة التي تتمتع بها تلك النخب التقليدية. لقد كانت ”طبقة نخبوية“ تملك مشروعاً نهضوياً وتنويرياً على كافة الصعد والمستويات، وأسهمت بشكل كبير وواضح في إحداث نقلات وتحولات كبرى في مجتمعاتها، وتُعد إنجازاتها وإبداعاتها وريادتها من أهم أسباب تطور وازدهار أوطانها.
إن مصطلح النخبة بشكله الكلاسيكي يتعرض منذ عقدين تقريباً لتسونامي هائل من نخبة جديدة بدماء شابة يُطلق عليها ”النخبة الإلكترونية“، والتي أصبحت هي من تقود فكر ومزاج وقناعة المجتمع بأفراده ومكوناته وتعبيراته. نخبة جديدة في حلة عصرية، تختلف كثيراً عن نمط النخب التقليدية التي سيطرت على المجتمع لحقب زمنية طويلة، وتُمارس نفس الدور والوظيفة والتأثير، بل وأكثر.
شباب وشابات في مقتبل العمر، يُتابعهم الملايين في كل العالم، وتحوّلت قصصهم ومفرداتهم وأفكارهم وآراؤهم وتقليعاتهم، وكل تصرفاتهم الصغيرة والكبيرة، إلى ”وصفات سحرية“ تتناولها وتتداولها كل الأجيال في كل العالم.
إن واقعنا المعاصر والمعولم، أفرز طبقة جديدة من النخب، لا تتسلح بتلك الأدوات والمؤهلات التقليدية التي كانت تتفاخر بها النخب التقليدية، ولكنها - أي النخب الجديدة - استطاعت بما تملك من ذكاء وجرأة ورغبة أن تتجاوز كل ذلك، وتُصبح النخبة الجديدة التي تؤثّر في العالم، كل العالم.