قصتي مع الأستاذ نادر
في يوم من الأيام كنت في زيارة لإحدى المؤسسات التعليمية المتطورة. استقبلني مدير المؤسسة ثم أخذني في جولة تعريفية حيث رأيت ملاعبهم، معاملهم، حدائقهم وأخيراً وصلت للفصول التعليمية، وهناك تركني المدير لأتجول على راحتي. لفت نظري فصل فقررت أن أدخله لأستريح من المشي وأيضاً لأخذ فكرة عن طرق التدريس لديهم.
طرقت الباب واستأذنت للدخول فرحب بي مدرس الفصل الأستاذ نادر بابتسامة عريضة ودعاني للدخول. توجهت لنهاية الفصل وجلست على الكرسي الوحيد الشاغر. كان الطلبة والطالبات الصغار يجلسون على شكل قوسين يمنة ويسرة الفصل، يتوسطهم ممر حيث يتجول أستاذ نادر جيئة وذهاباً وهو يشرح الدروس، وكان كل واحد من الطلبة قد لبس زيّاً مختلفاً عن الآخر وكأنهم في حفل تنكري، فهذا كأنه أرسطو وذاك كأنه أبو بكر الرازي وهذي كأنها زرقاء اليمامة وتلك كالخنساء، وكان الحماس يعتلي وجوههم جميعا أما أستاذ نادر فقد كان طويل القامة، رشيق الحركة وسمح الوجه أو ربما أسبغته ابتسامته اللطيفة ومرحه الدائم تلك السماحة على وجهه ناهيك عن قبعة الساحر المضحكة التي كان يعتمرها.
بدأ الأستاذ نادر بشرح درس الكيمياء عن تفاعل الأوكسجين مع العناصر الأخرى بطريقة لم أعهدها من قبل، حيث أحضر معه دمى صغيره ملونة أطلق على كل واحدة منها اسماً من أسماء العناصر الكيمائية، فواحدة سماها أوكسجين، والثانية هيليوم والثالثة هيدروجين والرابعة حديد وهكذا، ثم بدأ تحريكهم وكأننا في مسرح للدمى مع تغيير صوته ليتناسب ومختلف الشخصيات.
جلس الهيليوم على الأرجوحة وطلب من الأوكسجين دفعه وما إن اقترب الأوكسجين منه وقبل أن يمسه حتى اندفع الهيليوم والأرجوحة معاً، فشرح أستاذ نادر كيف يتنافر الأوكسجين مع الهيليوم. بعد ذلك جاء الحديد ليلعب مع الأوكسجين لكنه سرعان ما تحول لصدأ، لأن الأوكسجين يتسبب في صدأ أغلب المعادن، وأخيراً أحضر دمية تمثلت في ذرة هيدروجين لطيفة ووضعها بجانب الأوكسجين فأخذوا يلعبون مع بعض لكن رأتهم ذرة هيدروجين أخرى فأحبت أن تشاركهم اللعب، وما إن اقتربت منهم حتى سكب الأستاذ نادر الماء على الدمى، ثم أخبر الطلبة كيف يتكون الماء من ذرة أوكسجين وذرتَي هيدروجين. ثم انتقل لدرس الأحياء وبعد أن شرح معنى الثدييات، أخرج أرنباً صغيراً جميلاً من قبعته كمثال، لكن الأرنب أخذ بالقفز في كل مكان والطلبة خلفه يحاولون اصطياده بكل مرح.
ثم جاءت الفقرة التي ينتظرها الجميع حيث قدم أستاذ نادر الطلبة والطالبات كلاً بدوره كي يعرف عن نفسه متقمصاً شخصية تاريخية كان لها بصمة فبدأ كل طالب بإخبارنا بقصة حياة تلك الشخصية وإنجازاتها بحضور طاغٍ وبكل ثقة.
لقد أدهشتني طرق التدريس باللعب في تلك المؤسسة وشعرت بالأسى على أطفالنا الذين يكرهون الذهاب للمدرسة لما في مناهجنا وطرق التدريس من جمود وملل. أعطاني أستاذ نادر بطاقة أعمال فيها معلومات التواصل وأرقام الاتصال عارضاً خدماته، ووعدته بالاتصال قريباً لنتباحث سوياً في طرق التعليم باللعب وكيفية تطوير التعليم في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية.
في الحقيقة، لا أعلم لماذا شعرت بنعاس شديد على الرغم من كل الحماس والإثارة التي شهدتها في ذلك الفصل. أقفلت عيني وعندما استيقظت لم أجد المؤسسة التعليمية ولا الفصل ولا أستاذ نادر ولا حتى بطاقته!