حكاية شجرة الخيزران
تُعدّ شجرة الخيزران الصينية أو ما يُطلق عليها بساق البامبو، الشجرة الأكثر غرابة وإثارة على الإطلاق، وسنعرف ذلك لاحقاً. شجرة الخيزران هذه أشبه بسوق تجدد فيه كل البضائع والحاجيات، فهناك الصيدلية والمطعم ومتجر الأثاث ومحل البناء ودكان الآلات الموسيقية وغيرها من المتاجر والمحلات. هذه الشجرة الغنية كانت أحد أهم مصادر صناعة الورق قديماً، والغذاء الرئيسي للباندا الدب الصيني الشهير الذي يُخاف عليه من الانقراض، وهي من أكثر الأعشاب/ الأشجار فائدة للبيئة لأن الشجرة الواحدة منها تُنتج من الأوكسجين أكثر من أي شجرة أخرى بنسبة تزيد عن 35% وهي أيضاً الشجرة الأكثر امتصاصاً للكربون بمعدل أربعة أضعاف بقية الشجر.
والكتابة عن هذه الشجرة المثيرة التي قد يبلغ طولها 30 متراً، أي ما يُعادل بناية مكونة من عشرة طوابق، تحتاج لمقالات ودراسات علمية محكمة وأفلام وبرامج وثائقية متخصصة، ولكنني سأقترب من هذه الشجرة المعمرة التي تنتمي لعائلة «Poaceae» والتي تضم أكثر من 1400 نوعاً وأكثر من 115 جنساً.
شجرة الخيزران الصينية، أنبوب طويل مزدحم بالعجائب والغرائب، ولكن ”طريقة النمو“ لهذه الشجرة العجيبة هي الأكثر إثارة بين كل أنواع الأشجار حول العالم، فخلال الأعوام الخمسة الأولى وبعد أن تُغرس بذرتها في الأرض لا تنمو على الإطلاق، ولا يظهر خلال كل هذه المدة الطويلة سوى برعم صغير جداً يأخذ شكلاً ملتوياً ويُجاهد خلال كل هذه الأعوام الخمسة من أجل البقاء حياً، ولكنه بعد ذلك لا يحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر فقط لتنمو سيقانه لأكثر من 30 متراً دفعة واحدة.
قد لا يُصدق البعض هذا ولكن ذلك يحدث بالفعل، فخلال أول ستين شهراً تنمو جذور شجرة الخيزران أسفل التربة وتصنع لها شبكة معقدة وممتدة من الجذور تُشبه كثيراً مترو الأنفاق في لندن والذي أنشئ عام 1863 كأول مترو أنفاق في العالم. وخلال الأيام التسعين التالية وبعد أن تكتمل قوة الجذور المتشعبة في الأرض، تبدأ سيقان الخيزران في رحلة مجنونة من النمو لتُعانق السماء، وقد يصل معدل نموها 100 سم في اليوم الواحد، وهي بذلك تكون من أبطأ وأسرع النباتات نمواً ولكن على مرحلتين من عمرها.
تلك هي حكاية شجرة الخيزران الصينية التي تُحاول بحكمتها المتوارثة من الممالك الصينية التي اشتهرت بالأمثال والحكم أن تزرع في عقولنا درساً ملهماً ليكون حصاداً مثمراً في حياتنا وهو: ”الصبر هو أفضل معلم في هذه الحياة“.
لو قُدّر لنا أن نسمع ”معزوفة ساق البامبو“ التي تعزفها هذه الشجرة الصينية الحكيمة كل تلك القرون الطويلة، ولو أستطعنا أن نقرأ الدروس والعبر التي كُتبت على أوراقها العتيقة، فنحن بلا شك على موعد مع الدهشة والحكمة التي تختزلها هذه المقولة العربية الأصيلة: ”مَنْ صَبَرَ ظَفِر“.
في هذه العصر الذي أطلق عليه عصر السرعة، يحدث كل شيء بسرعة، نبحث عن كل شيء بسرعة، نُريد أن نربح بسرعة، نركض خلف الشهرة بسرعة، كل شيء يحدث بسرعة.
إن شجرة الخيزران الصينية تُعلمنا درساً مهماً وهو أن النجاح لا يحدث بين عشية وضحاها ولكنه قد يحتاج لخمس سنين، بل وفي كثير من الأحيان يحتاج لأكثر من ذلك. إن هذه الشجرة الملهمة التي أتقنت الصبر وعشقت الانتظار تُخبرنا بأن لا شيء يحدث بلمح البصر ولكنه بمجرد أن يتحقق الحلم بعد طول نضال وإصرار سيُعوضنا عن كل تلك السنين وسيكون مدهشاً، بل وأكثر بكثير مما نتخيله كبشر.