أمم أمثالكم!
قِيل أن التفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة. لا شك أن التأمل والتفكر في الله ومخلوقاته عبادة من أعظم العبادات، التي توصلنا إلى معرفة جزء بسيط من عظمة الخالق وبديع صنعه. ضرب الله لنا الأمثال وقص علينا القصص الكثيرة في القرآن الكريم ليُرينا قُدرته وعظيم خلقه، ولنتأمل ولنعترف نحن البشر بقولة تعالى: «وَمَا أُوتِيتُم مِنْ العِلْمِ إلا قَلِيلاً»، ونقتنع بأن «العجزُ عن دركِ الإِدراكِ إِدراكُ»، فعجزنا عن إِدراك الله وعظيم قدرته هو إِدراكنا واعتراف منا بعجزنا عن فهم حقيقته وعظم شأنه عز وجل: «وما قَدرُوا اللهَ حَق قَدْرِهِ».
وقد استخدم سبحانه وتعالى الحيوانات والطيور وحتى الحشرات لنقل المعرفة للإنسان وتعليمه ما يساعده ويسهّل له حياته على الأرض. فبدأ بالغراب، الذي أرسله الله ليعلّم قابيل كيف يدفن أخاه هابيل بعد أن قتله.
وهدهد نبي الله سليمان - -، الذي كان يتفقد أحوال الرعية وينقل له الأخبار، ثم قصة النبي مع النملة، التي سمعها تنادي النمل وتأمرهم بدخول مساكنهم كي لا يحطمهم هو وجنوده وانبهاره بحكمتها ومنطقها.
يعلمنا النمل الجد والاجتهاد والمثابرة والصبر والتحمل والعمل بروح الفريق والتنظيم، ونتعلم من النحل الاجتهاد والعمل الدؤوب والبناء الهندسي وإستراتيجية ترتيب الأدوار وتوزيع المهام في المجتمع والالتفاف حول القائد وحمايته والدفاع عن الوطن بكل ما نملك. كما يعلمنا العنكبوت الهندسة وتغليف الطعام والتمويه، وذلك عندما حاك شباكه على فوهة الكهف ليعتقد كفار قريش ألا أحد في الكهف ويمضون تاركين نبي الرحمة وصاحبه مختبئين في الكهف.
تعلم البشر من شكل الطيور وحركة أجنحتها وذيلها كيفية صنع الطائرات، التي نستخدمها حالياً، والتي سببت نقلة نوعية على جميع الأصعدة، وسهلت حياة الإنسان. وتعلمنا من حشرة اليعسوب كيف نصنع طائرة الهليكوبتر. وعلى الرغم من الجائحة وتبعاتها، التي آذت العالم وكان سببها خفاش إلا أننا تعلمنا من الخفاش أيضاً كيفية الالتقاط والاستفادة من الموجات الاهتزازية لصناعة الرادار.
وقد ألهم الحوت عندما التقم نبي الله يونس - - وبقي في بطنه، العلماء لاحقاً لصناعة الغواصات البحرية الحديثة، وكان الحمام الزاجل أول مَنْ نقل الرسائل حول العالم والسبب في إيجاد فكرة البريد.
أحب التأمل كثيراً في مخلوقات الله ومحاولة فهم تصرفاتها وردات أفعالها ومن أمتع اللحظات لدي أن أتصفح القصص والمقاطع، التي وثقها أصحابها بالصور أو لقطات الفيديو لهم مع الحيوانات المختلفة سواء البرية أو الأليفة. حيوانات أو طيور تدافع بشراسة عن الإنسان، الذي رباها أو عن فرد من العائلة البشرية، التي تعيش معها والتي تعتبرها عائلتها. كلب يرتمي على قبر صاحبه ويعوي بحزن شديد ولا يريد الابتعاد عن القبر. حصان يأتي راكضاً بمجرد أن يلمح مربيه من بعيد. أسد يهاجم مدربه ويحاول المدرب الهرب، فتهرع اللبؤة لمنع الأسد من الانقضاض على المدرب. يا ترى لماذا تتصرف كذلك ومَنْ علمها كل ذلك؟
دائماً ما أتذكر وأتأمل طويلاً في الآية الكريمة: «وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ». وتستوقفني كثيراً جملة «إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم»، فيقشعر جسدي من رهبة المعنى. هم يعيشون في مجتمعات تشابه مجتمعاتنا، ويبنون منازلهم ويجمعون طعامهم ويتزاوجون وينجبون ويحمون الأضعف ويتفاعلون مع البشر، فسبحان مَنْ خلقهم ورزقهم وعلّمهم وسخرهم لتعليم الإنسان وخدمته.