ندبة.... حلم
حلم يجمعنا أنا والقلم أن نخرج من صمتنا يومًا ونبوح بندبات ما في القلب بعد أن عجزت اوعية القلوب والأذان عن سماعنا ، تعاهدنا مع حروف اللغة لعلها تعبر عن تلك العبرات المتكسرة في الصدور، ضعنا وتهنا بين أبجديات اللغة فأنا والكثير غيري لسنا متبحرين فيها ولا نجيد صياغتها، فأنا قليلة الخبرة بها سوى بعض القراءات من هنا وهناك في موضوعات اللغة ومجالاتها المتنوعة والمختلفة مع جهلي بالكثير منها، وإن كان التعبير بالكلمة اسلوب يحاكيه البشر للبوح عما تكنه صدورهم، ووسيلة توصلنا بالأخرين، مع اختلاف اسلوب الكلام واسلوب البوح فالكل يعبر حسب طريقته، فطرق التواصل والتعبير عن النفس مختلفة من أجل أن يثبت الإنسان وجوده في هذا العالم مع اختلاف قدراتنا في سرعة الوصول.
لغة الإشارة وحركة أصابع اليد والإيماءات المختلفة جسر يستخدمه من حرم نعمة النطق فطريقة التعبير عندهم ابداع واعجاز عظيم تفوق الكثير منها بالرغم من كثرة العقبات والصعوبات ولكن اثبات الذات للإنسان في عالمه تحدي يستحق المغامرة، فهذه الفئة عظمية بكل معنى الكلمة أثبت قوة وجودها بما سطرته من إنجاز .
بحثت عن حرف يعبر عني ويصل بحلمي إلى جميع البشر لربما أجد من يقرأ بعض ندبات قلبي ويمكن الركون إليه، لكن ما أن بدأت الكتابة حتى بدأ القلم يجف والأوراق لم تعد تتحملني آخذةً في التطاير هنا وهناك وكأنها تحاول الهروب، فالحمل ثقيل والأمانة أثقل حتى جبال الصبر أبت أن تحملها، إلا من بعض القصاصات الصغيرة التي تحمل بعض من رؤوس الأقلام التي كتبت علي شكل كلمات أردت من خلالها أن أُصل شيئًا ما يعبر عن ألم وحلم بداخلي، لكن عالم القلوب لم يفهم معاني تلك الكلمات فهي قلوب مؤصدة لا تعي معنى الكلمة.
اصراري أن يصل حلمي جعلني أُواصل البحث عن حرف يداوي الجراح، ما زلت ابحر بين السطور في تلك الأوراق دون قارب أُصارع الأمواج العاتية وسط عواصف الرياح القوية، أتوهم إن سفينة قادمة اتجاهي وإن هناك من سوف يلقي لي طوق نجاة، ما زلت أتوهم بأن الكلمات هي من ستنصفني وتشفي جراحاتي، ما زلت أتوهم بأن القلم سيؤنس وحشتي، ما زلت أتخيل بأن الكتابة شرفة تطل على بستان جميل أتنقل بين جنباته كفراشة زاهية الألوان تجذبها الزهور الفواحة، ازرع حروفي وسط أوراقي فتنبت فوق الجروح أزهاراً، أهاتي ترسم خيبة الأمل.
خرجت من الذات تصفحت صحائح القلوب مررتُ بمقتطفات لبعض السطور وما دونته الأقلام الكثيرة التي ألفت الثرثرة من غير فهم ولا معنى بس لمجرد تسطير كلمات وسد الفراغ في الصفحات الخالية من الروح، حروف ميتة لا تنطق، كلام غير واضح المعاني يجعلك تقرأه مرارًا وتكرارًا لتتوهه وسط دوامة الفهم، كلمات لا تشفي الجروح ولا تزيل الهم، أقلام مزيفة، وأقلام كاذبة، أقلام ضعيفة، وأقلام مجاملة مردت على النفاق، وأقلام نادرة تسطر درر بس ضائعة وسط الزحام لا تجد مساحة تعبير في ورقة ما ولا تلفت النظر لأنها صادقة لا تتجمل ولا تجامل.
مع استمرار رحلة البحث في اللغة لإيجاد الحروف التي تداوينا وتشفي سقمنا، استوقفتني عبارة ”كل المدامع اظهرت جرحًا كان خفيًا“ هجرت الورقة والقلم اللذان خذلاني وخاصمت الحروف بعد عتاب طويل بيننا لكن عتاب الأحبة لا ضير فيه لأني اعشق الكلمة وأتذوقها وإن جهلت موقعها الإعرابي والحرفية التي كتبت بها.
الدموع تعبير صامت لا يراها الأخرون ولا يحسون بها نذرفها في خلواتنا كمتنفس عما نحس به تزيدنا قوة وصفاء، فنتجول بداخلنا نفتح جروحًا قديمة قد ركنت، نتحدث بما يدور بخواطرنا، نبوح بما تم كتمانه بالقلب فهي صناديق تحوي الكثير والكثير ونظل نتحاور ونبوح للأقلام ندبات قلوبنا لعل أورقنا تتحملنا يومًا.