حدث لابد من الوقوف عنده
لقد مر علينا حدث مليوني لا نظير ولا شبيه له في العالم ، وهذا الحدث يتكرر في كل سنة مع ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام ، والذي شاركت فيه الأعداد الهائلة من مختلف الطوائف مع محبي أهل البيت عليه السلام ومواليهم ، هذا الحدث المهيب يزداد عظمة وهيبة فترة بعد فترة وسنة بعد سنة ، فيحيى هذا الحدث بصورته المأساوية والمؤلمة وحرقته الحالية ، وكأن الحدث للتو حصل ، وفي هذه السنة تعدى العدد المشارك حسب الإحصائيات الرسمية للدولة العراقية أربعة عشر مليون نسمة ، واجهوا التحديات بعشقهم وحبهم لإمامهم وأحيوا هذه الذكرى الأليمة.
هذا المد الهائل من داخل وخارج العراق ، ألا يستحق التعرف عليه عن قرب..! ، والتركيز على بعض جوانبه ، لماذا الإصرار من أعداء أهل البيت والإستكبار على تغييب هذا الدور...؟ ، وتحجيمه وإقصائه وعدم التركيز عليه ، وإبعاده عن دائرة الأضواء ، والعمل على تقليل شأنه وشأن أتباعه ، علما بأن هذا الحدث هو مظهر التماسك والوحدة والتآلف بين أبناء المسلمين الشيعة ، والذي يعطي الطابع المؤثر والفعال على مستوى العالم ، وإظهارهم بواقعهم الحقيقي ، وبعدهم الديني كما يعطي القوة والعظمة والقدسية لما تعتقدوه ، وما أهمها لتعريف الناس على هؤلاء وحقائق إعتقادهم ، فيتحققوا من معرفتها ، ويتطرقوا لها بالتحليل والتدقيق.
ما هو الهدف من التحجيم والإقصاء والحجب لمثل هذه الأحداث....؟ ، هل هو خوف من التعرف عليهم ثم الميل لهم..؟ ، أم هو خوف النهج الحسيني بذاته....؟ ، أم هو خوف من أتباعه....؟ ، وهل الحسين أو أتباعه يخيفون لهذه الدرجة..؟ ، أم الحق الذي يمثله الحسين يرهب ويرعب الظلمة...! ، علما بأن الحسين قتل شر قتلة ، قتل مذبوحا مظلوما مهضوما محروما ، وسبيت حريمه ونسائه وأهل بيته وقطعت أجزاءه ، وكيف بمن يقتل بهذه القتلة أن يرعب الظلمة حتى يخافوه ، أليس هناك سرا خفيا في هذا الأمر....؟.
لقد تعمد الإعلام الغربي والعربي وحتى الإسلامي وعلى رأسه القنوات التي تدعي الحرية والجرأة والمصداقية والمساواة في نقل الحدث ، وتتحدث باسم القومية العربية والإسلامية ، على إخفاء هذه الحقائق عن واقعها ، وتعاملت مع هذا الحدث بمنظار الفئوية والحزبية والطائفية البغيضة ، وبالازدواجية اللعينة والكيل بمكيالين ، وأنها تتعامل مع الأحداث العالمية الأخرى عكس ذلك ..! ، وتسعى هذه القنوات جاهدة أن يكون التركيز على الخبر المثير للفتنة والطائفية ، فتنشطه وتطعمه حتى يصبح وجبة لذيذة للإعلام والنشر ، ويستبعد ما فيه المصلحة العامة والوحدة والتآلف ، ولا ينظر لأهمية الخبر ، وحاجة الناس لضرورة معرفته ، فهل هذا هو الدور المطلوب من الإعلام العربي...؟ ، أن يعمل على توسيع الفرقة والتشتت ، أم يعمل على تضميد وتقريب وجهات النظر بالمتوافقات بدلا من المتفرقات ، ومن المستفيد في النهاية من هذا الدور السلبي ، ألا يصب في مصلحة العدو.....!.
هناك الكثير من الحوادث التي هي اقل بآلاف المرات من هذا الحدث شأنا والتي لا تساوي الواحد بالمائة منه ، تعطى من الأهمية ما لا تستحق ، أما الأحداث التي تختلف معهم في الأيديولوجية الفكرية ، فلا أهمية لها عندهم وكأن التقييم يأتي على إعتقادهم وليس على نقل الحقيقة إلى الواقع كما هي ، والدور المطلوب والأمانة الإعلامية هو إيصال الحدث إلى الناس حتى لو لم تتفق معه ، وإن تطرقوا لمثل هذا الحدث أو غيره طرحوه بطرح ملتوي مختلف ، ومن زاوية ضيقة جدا ومحجمة في ثوان معدودة ، وعلى العكس من المواضيع الأخرى التي لا تقترب منه مكانة تأخذ الدقائق من العرض ، والساعات من التحليل والمتابعة.
لا أريد ان أدخل في الثواب والأجر لهذا الأمر لأن ذلك اعتقاد خاص بمن يعتقده ويقوم به ، ولكن أقول: لماذا هذا التغييب العمدي...؟ ، إن صح التعبير ، أين المصداقية المنشودة...؟ ، ألا يحق لهؤلاء أن تنقل حقائقهم إلى العالم..! ، ألا يحق لهؤلاء أن يعرفوا الناس على ما يجمعهم ويوحد كلمتهم...! ، هل هؤلاء بشر ولهم حقوق كما للناس أم لا...؟ ، أين المفكرون والمحللون من هكذا حدث ، ألا يستحق الدراسة والتعمق فيه....! ، فهذه المشاركة المليونية التي تفوق الحج بخمسة أضعاف.........!! ، من حيث العدة والعدد إن لم تكن أكثر ، والمقارنة بين الحاج لبيت الله والزائر للإمام الحسين عليه السلام فوراقها شاسعة وكبيرة جدا.
ففي الحج كل الخدمات مذللة ومتاحة للحجاج ومنظمة ومرتبة من قبل الدولة السعودية ، ومع ذلك أنظر إلى الأحداث الغير إرادية والأليمة ، وما يتبعها من تصرفات غير أخلاقية ، في كل موسم الذي يشارك فيه مليونان أو ثلاثة ملايين حاج من مآسي وإنخناقات وحرائق وما شابه ، وفي كل سنة يسجل عدد من القتلى والأموات بسبب أو بآخر بأعداد مختلفة ، وكذلك السرقات والتجاوزات المتعددة داخل الحرم وخارجه.
أما الطرف الآخر وهم زوار الحسين عليه السلام ، فالأعداد تفوق المتوقع بأضعاف كبيرة ، ولا توجد استعدادات كما هي موجودة في الحج ، وبفضل الله ومننه ونعمه وإحسانه تسير الأمور بطريقة موفقة لقاصدين هذه البقعة الطاهرة ، ولم نسمع بمثل هذه الأمور ، أوالتجاوزات الأخلاقية ، فإنها شبه معدومة إلى ما ندر ، لإيمانهم وقصدهم المشروع في هدفهم المنشود ، وإذا فقد زائر حاجة ثمينة فانه سرعان ما يجدها عند احد المؤمنين الذي يسلمها له.
كما أن حجاج بيت الله يؤدون الفريضة مطمئنين من الأعمال الإرهابية ، وزوار الحسين مستهدفين من قبل الإرهابيين الوهابيين ، ورغم ذلك فإنهم يواجهون هذا الخطر بكل قوة إيمانية ، ومستعدون لتقديم الشهيد بعد الشهيد ، من اجل أداء هذه الزيارة ، ومن يتابع هذا الحدث يرى المشاة صغيرا وكبيرا وكهلا ، وما يعانوه من معانات المشي على الأقدام لأيام طويلة ليلا ونهارا ، لكي يحضوا بالتشرف والتوفيق لهذه الزيارة ، والحج أمر تكليفي فمن يؤدي الحج فقد انتهى ما هو مطلوب منه وربما يفكر أو لا يفكر بتكرار أدائه للفريضة مرة أخرى ، ومع زوار الأربعين وما يلاقوه من حفاوة وتوفيقات وتسهيلات فإنهم يصرون على العودة للزيارة ، مع أنها مستحبة وليست واجبة ، مصطحبين أفراد عائلاتهم جميعا في زياراتهم للأعوام المقبلة.
إظهار هذه الحقيقة وتعريفها للناس ، وشرح الدور العاطفي بين الحسين عليه السلام ومحبيه يعطي بعدا أكبر لحقيقة هذه الزيارة ، ويشير إلى البحث والتنقيب عن أسباب هذه الأحداث ، كما أن إدارة وتنظيم هذه الجموع الكثيرة والمد المهول دون استعداد الدولة إلى باليسير ، وبعض الجهود الشخصية ما هو إلى لطف وعناية ربانية ، يجب الإشارة إليها ، وإيضاحها للناس.
تفكير الوهابيون المنحرف ووقوفهم بالمرصاد لأتباع الحسين عليه السلام ورؤيتهم القاصرة حول هذا الحدث ما هو إلى غبار تذره الرياح ، وقد حالوا كثيرا ، مرارا وتكرارا على أن يسكتوا هذا الصوت الثائر ، وبائت كل محاولاتهم بالفشل والخيبة ، وبقى شموخ الحسين عليه السلام ، وسيبقى إلى أبد الآبدين ، ودورهؤلاء المشبوه ما هو إلى لنشر الفتن والضلال والانحراف ، والتفجير وتأجيج الأمر ، يستهدفون وحدة الأمة وضربها وتشتيت كلمتها بكل الوسائل ، والتاريخ خير شاهد على ذلك.... ، فهل سمعنا أو رأينا أحدهم يهمه أمر وحدة الأمة...؟ ، لكي يسعى بلم الشمل ، أم هل سمعنا احدهم يجرأ أن يتعدى على من حارب الدين أو تعدى على المسملين كما جرى في فلسطين ، أو هل سمعنا أن رصاصة واحدة من القاعدة اتجهت لصهيوني واحد ، فؤلاء يتماشون مع السياسة وما تملي لهم ، فمن مشى مع السياسة مشو معه وصفقوا له ، ومن خالفهم صاروا ضده حتى لو كانت حقيقته كالشمس المشرقة.
ان المنافقين الذين يغيرون الحقائق ويديرون الأمور ، هم من وضعوا هذه الحواجز على عدم نشر هذه الأحداث ، وعملوا على التقليل منها ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ومهما عارضت مصالحهم الشخصية والعقائدية وتفكيرهم الدنيء المنحرف ، فهاهي تخرج رغما على أنوفهم ، فكلمة الله هي العليا ، وكلمة هؤلاء المخادعون الداعون الى الفتنة والتفرقة والطائفية بين المسلمين هي السفلى.
والمؤسف ان من بين أبناء هذه الطائفة الكريمة اليوم من يظن أن الخطاب بهذه اللهجة يصب في مصب الطائفية ، ومناصرة الطائفية طائفية ، ويريد ان يترفع عن هكذا دور ، فلمثل هذا نقول: هدانا الله وإياك إعلم أن الحقوق لهذه الطائفة تسحب من تحت بساطها شيئا فشيئا ، وتوضع في الأمر الواقع حتى تراه واقعا ، فها نحن نكفر ونشتم على العلن ولا يسمح لنا بالرد على الشبهات المتهمين بها ، وإذا تجرأ أحدنا برد اتهم بأنه طائفي ، فمن أعطاهم الحق أن يكونو طائفيين وحرمنا من نفس الحق ، وما هو الدور الذي وصلنا إليه من هذه الوسطية والإعتدال ، لابد من الوقف بحزم وقوة أمام هذه التحديات ، فمرحبا بالطائفية إن كانت تصب في المصلحة العامة والخاصة ، أفضل أن نكون طائفيون من أن نكون سذج وأغبياء ، الطرف الآخر يريد منك التنازل شيئا فشيئا حتى يسحب من تحت بساطك مسلماتك ومعتقداتك ، وما تعلمناه من الإمام الحسين هو الاحتفاظ بهذه المسلمات ، ورفعنا هذا الشعار منذ ألف وأربعمائة سنة وهو شعار (هيهات منا الذلة) وسنحافض على أن يكون مرفوعا بدمائنا وأرواحنا جيل بعد جيل حتى يأذن الله في أمره ، وصلى اللهم على محمد وآله الطاهرين.