قتلني الفضولي!
الفضول نفس يتسابق مع أنفاس الفضولي الذي يجري لهثًا للانغماس في خصوصيات الآخرين وظيفته الأساسية البحث والتفتيش وراء غيره، فالقيل والقال سمة باتت شائعة في محتمعنا الذي أذاب الخصوصية، وأصبح الكل يمتلك حق تحليل النتائج، يضع النهايات لكل حدث ويختم بالتوقيع على قصة فلان من الناس لم يعشها ولم يشهد أحداثها، لكن حبه الفضولي ساقه إلى تتبع العثرات ووضعها تحت المجهر؛ لاكتشاف صغائر الأمور التي لاتظهر للناس، ويعتبر ذلك إنجاز له حققه بمهاراته الخاصة، فطول نفسه، وإلحاحه في السؤال في ما لايعنيه، وانشغاله بأخبار الآخرين جعله يُدير أحداث القصة وتحريك أدوار شخصياتها، فلانة من الناس أو فلان تزوج وطلق، لعدم وجود توافق، لا يقتنع بهذه النتيجة، يقتله الفضول لمعرفة أسباب الطلاق، يدير محرك البحث قوقل الخاص به، يسأل هذا وذاك ممن يمتلكون صلة قرابة من صاحب القضة إلى أن يصل إلى صاحب القصة يبدأ بالتطفل عليه بالأسئلة والاستفسارات للوصول إلى صلب الموضوع، مما يعني أنه حول الموضع إلى قضية جنائية، فهو المحقق وصاب القضية هو الجاني الذي يجب عليه الاعتراف، وتوضيح أدق التفاصيل، ليبرأ نفسه من التهمة الموجهة إليه من قبل ”ف من الناس“، في كثير من الأحيان الجاني البريء يسرد أدق تفاصيل حياته أمام هذا الفضولي المتعطش لمعرفة الخصوصيات؛ ليرحم نفسه من الضغط النفسي الذي يسببه له هذا النوع من الفضول القاتل، جانب أخر ينقذ سمعته التي تُحاك حولها أقاويل وأكاذيب لا صحة لها في الواقع. الفضول القاتل لا يقتصر على قضايا الزواج والطلاق فقط بل هو باسط دراعيه يحتضن كل القضايا، غني من أين لك هذا، فقير مد رجلك على قد لحافك،، الفضول لا يصمت يدور حولك والأسئلة كثيرة وعلامات الاستفهام تظل تحاصرك وتضعك في أيقونة الفضول، هذه ثقافة الفضول فيما بيننا
”فضولي مستفز“ الذي من خلال جلوسه معك يستطيع بكل احترافية الغوص داخلك وانتزاع ما يشبع فضوله عن أصلك وفصلك حتى الوصول إلى الجد المئة من أجدادك.
وهناك من هو ناعم كالحرير في تموجاته الفضولية، يتحرك بانسيابية نحو فريسته لشل العقل والتفكير، فالتنوم المغناطيسي يجعل الفريسة تبوح بكل تفاصيل حياتها، الأحلام، والألام وربما المعاناة ماهي إلا توهمات ينسجها الفضولي حول من يتطفل عليه ليوهمه بأن الحال واحد، فنصيبه من تلك الأوجاع لا تقل عنه، فيطمئن لوجود شخص يقاسمه تلك المشاعر.
نوع آخر ”فضولي“ وين ما تُدير رأسك تلقاهُ وراك، يُدور اخبارك في مواقع التواصل الاجتماعي كمتابع؛ لكن يزودها أشوي، يفرض متابعته عليك من خلال رسائله ومنشوراته كنوع من التطفل على صفحتك في المواقع، يرسل لك تفاصيل من حياته الخاصة يكحمك في مشاكله، يرصد لك تحركاته بالصوت والصورة، يجبرك على التعليق عليها، تجد نفسك جزءًا من حياته رغمًا عنك، فهذا النوع من الفضول الإلكتروني في مواقع التواصل عكسي بمعنى استخدام استراتيجية المعكوس أو مايسمى الصف المقلوب، فضولي ينشر تفاصيل حياته على صفحات التواصل لاجتذاب أكبر عدد من المتابعين، مما يتبادلون معه في نشر خصوصياتهم، وكأ نهم يعيشون تحت سقف واحد، حتى وإن كان أحدهم في الشرق والآخر في الغرب، هذا النوع ينمي حب الفضول السلبي عند الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي والذي يعتبر من أخطر الأنواع وما يترتب عليه من مشاكل كثيرة أبرزها الجرائم الإلكترونية والابتزازات، وكشف عورات الناس، والمقارانات، اللقمة السائغة هنا نحن من نقدمها على طبق من ذهب للفضولين؛ فيتناولونها بالهناء والعافية، بعد إضافة بعض من المنكهات عليها لتبدو أكثر إثارة وتشويقًا.
أنماط مختلفة من الفضولية السلبية والمذمومة، باتت موجود في حياتنا تشغل بالنا بأحوال الناس وتجعلنا نتابع بعضنا البعض، وننظر إلى بعضنا بحسد وكراهية، وأصبحت تعاملاتنا قائمة على الكذب والمجاملات، وتواصلنا ماهو إلا مضايقة بعضنا البعض والتدخل فيما لايعنينا، كما ورد في الحديث «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
وقال : «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَورَتَهُ يَفضَحهُ في بَيتِه».
قال الإمام علي :
من بحث عن أسرار غيره، أظهر الله أسراره.
غرر الحكم: 8799.
فراحة البال والاطمئنان الاجتماعي تتحقق بالسلام النفسي، لدا علينا إعادة برمجة أنفسنا وصياغة أفكارنا من جديد لبناء مجتمع مترابط بعيدًا عن البغضاء والحقد والمقارنات المدمرة لذات والشخصية وترك مالا يعنينا ”دع الخلق للخالق“، وكما قال الإمام علي
”وغطاء المساوئ الصمت“