لماذا لا نملك ثقافة الاعتراف بالهزيمة؟
الاعتراف بالهزيمة أو الخسارة، يُمثّل حالة متقدمة من البنية الفكرية والنفسية لدى المجتمعات والشعوب المتحضرة التي أدركت وأيقنت أن أفضل طريقة للتعامل مع الهزيمة أو الخسارة، هو الاعتراف والإقرار بها واعتبارها حدثاً طبيعياً واعتيادياً، بل وقد يكون ضرورياً وصحياً في كثير من الأحيان في هذه الحياة التي تُعدّ مختبراً حقيقياً لثقافة وسلوك البشر، خاصة في كيفية تعاملهم وردات فعلهم تجاه الأحداث والمواقف التي يتعرضون لها.
النجاح مهما كان كبيراً لابد أن يباغته الفشل، والصعود مهما استمر فمصيره السقوط، والفوز وإن كان مدوياً فلن يُفلت من الخسارة يوماً، تلك طبيعة الحياة وسنة القدر. والهزيمة مهما كانت، ليست نهاية الحياة، بل هي مجرد نكسة أو تراجع، بل وقد تكون بمثابة الوقود الذي سيُعيد إشعال فتيل الحماس والتحدي، لتعديل المسار والاتجاه والهروب من دائرة الإخفاق والفشل. الهزيمة جزء أصيل في حياتنا، تماماً كما هو الفوز، كلاهما كذلك، وحياتنا تتأرجح بينهما باستمرار، وقد تكون الغلبة لأحدهما على الآخر، ولكن الأمر لن يستمر كذلك، خاصة حينما نعرف ونُحلل أسباب ذلك النجاح أو تلك الهزيمة.
إن ثقافة تقبل الهزيمة والاعتراف بالخسارة، من الفنون والمهارات، بل ومن الثقافات والملكات الفردية والجماعية، ولكنها تحتاج إلى عقول وقلوب تعي جيداً ضرورة وقيمة الاعتراف بالفشل، وعدم إلقاء اللوم والعتب على الخصوم والمنافسين أو التذرع بالمؤامرة والتقصّد، تلك هي الطريقة المثلى لإدارة الحياة بفن وشفافية، ومعالجة الأخطاء والقصور بمحاسبة دقيقة للنفس وممارسة النقد الذاتي بتجرّد.
الخسائر والهزائم في حياتنا، أمر لابد منه في حياتنا، فهي أشبه بالأمواج العاتية أو الأعاصير الشديدة، والتي تتطلب منا الثبات والصمود، لا أن نندب أنفسنا أو نتهم الآخر. العودة للبر بعد عاصفة هوجاء في عرض البحر، ثقافة لا يمتلكها إلا الأقوياء المؤمنون بقدراتهم وإمكاناتهم، لا أولئك المحبطون الغارقون في ترحيل المشاكل والتحديات للآخرين.
إن ثقافة الاعتراف بالهزيمة، قد تكون أقوى من ثقافة الانتصار، لأنها التجربة المريرة التي تؤمن بضرورة العودة والتدارك لجادة الفوز والنجاح، ولأنها ذاقت مرارة الفشل والخيبة، ولأنها بكل بساطة لا تُريد أن تسقط مرة أخرى في فخ الهزيمة.