صعبة لكن في منتهى الجمال!
نحضر صحنا ونضع فيه بعض القطن، وننثر فوقه أي بذور نختارها، ثم نسقيها بالماء ونضعها في مكان تصله أشعة الشمس ونتعهدها بالرعاية والسقي كلما احتاجت حتى تنبت تلك البذور فننقلها لأصيص به تربة مشبعة بالسماد والماء. مَن منا لم يعش تلك التجربة المفيدة جدا والجميلة؟
تجربة زراعة بعض البذور مع الأطفال هي تجربة رائعة، خصوصا إذا تكللت بالنجاح ورأى الأطفال نتاج ما زرعته أيديهم بعد اهتمامهم اليومي بها وسقيها حتى تصحو تلك الأوراق الخضراء الصغيرة، تتثاءب وتفتح عينيها مادة ذراعيها لاحتضان أشعة الشمس، وكأنها للتو استيقظت من سبات عميق كان سيطول أكثر لولا تلك الأيادي الصغيرة. إذا كانت تجربة الزراعة بتلك الروعة، فماذا بتجربة تفقيس كتاكيت في المنزل؟
نجمع يوميا البيض، الذي تركته أمه بدون حضانة ونتأكد من نظافته وسلامته من الكسور. نحتفظ به في علبة في مكان جاف وبارد ونقلبه على جهة كل يوم حتى يصبح لدينا كمية جيدة. نهيئ جهاز فقس البيض بتنظيفه، وصله بمصدر كهرباء مستمر، ضبط درجة الحرارة والرطوبة، ثم سكب كمية من الماء كافية لرفع الرطوبة إلى الدرجة المطلوبة. عندما يصبح الجهاز جاهزا، نضع البيض بحذر بحيث تكون قمة البيضة المدببة للأسفل ويترك البيض الثلاثة أيام الأولى بدون تقليب، وذلك لإعطاء الأجنة فرصة لبدء النمو. نراقب حرارة ورطوبة الجهاز كل يوم، نفتحه لثوانٍ إذا كانت الحرارة مرتفعة أو نحكم إغلاقه إذا نزلت درجة الحرارة، نضيف القليل من الماء إذا قلت الرطوبة أو نسحب القليل من الماء إذا ارتفعت. ومن المهم أن نتأكد أن تهوية الجهاز جيدة طوال أيام الحضانة. في اليوم الثالث، نبدأ بتقليب البيض يوميا كي لا تلتصق الأغشية الجنينية بقشرة البيضة. بعد أسبوع، تأتي عملية التحقق من صلاحية البيض ونمو الأجنة بداخله، وذلك بتسليط كشاف على كل بيضة في غرفة مظلمة لرؤية الأوعية الدموية المتكونة ثم استبعاد البيض الفاسد. فترة الحضانة هي 21 يوما، نوقف التقليب في آخر 3 أيام منها.
اليوم الأخير دائما ما يكون مشحونا بالترقب والانتظار والتساؤل، هل قمنا بكل شيء بشكل صحيح؟ هل ستنجح العملية ويفقس البيض؟
إذا نجحت العملية، فرؤية تلك المخلوقات الجميلة وهي تكسر قشر البيضة بمنقارها الصغير وتخرج هو شيء مذهل لا أستطيع وصفه في بضعة سطور. إحساس المشاركة في إنجاح عملية التفقيس تلك وتحويل البيض الميت إلى كائنات حية صغيرة ظريفة سليمة ومعافاة هو إحساس يجعلنا نتأمل في قدرة الله سبحانه وتعالى، وكيف أنه عز وجل تكفل بكل ذلك التعب والعناء بدون حول منا ولا قوة!
تجربة التفقيس الآلي ومحاولة تهيئة الأوضاع لقدوم هذه الصيصان للحياة يعطيك إحساسا بأن الدنيا جميلة، وما زالت بخير على الرغم من كل الحروب والفقر والمعاناة والمؤامرات، التي تعاني منها البشرية في هذا الزمن. هي تجربة صعبة... لكنها في منتهى الجمال!