ما قاله القصيبي عن تجربة القراءة
حظي الدكتور غازي القصيبي بشهرة واسعة على المستويين المحلي والعربي لعدة أسباب؛ منها كونه أصبح وزيرا ثم سفيرا في كل من البحرين وبريطانيا وإداريا ناجحا، ولأنه كان منذ صغره مهتما بالأدب والشعر والكتابة.
وقد كان من أهم مؤشرات اهتمامه بالأدب والثقافة؛ حبه للقراءة وعالم الكتب. فرغم أنه لم يكن «وحيد والديه، ولكن ومنذ نعومة أظفاره، كان أكثر إخوته حبا للعلم وإقبالا عليه.. فلم يمنعه ثراء أسرته الواسع، ونفوذ أبيه التجاري، من الإقبال بنهم شديد على التحصيل العلمي والاطلاع الثقافي منذ أن كان صغيرا مراهقا» كما وصفه الدكتور مكي محمد سرحان الذي ألف كتابا حوله «د. غازي القصيبي» ضمن سلسلة كتب عن الشعراء الخليجيين «ص 15الذي طبعته المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1998م». ويضيف سرحان: وأبدى غازي منذ حداثته استعدادا طيبا للقراءة والكتابة والإنشاء.
وحول ولعه بالقراءة يقول الدكتور غازي عن نفسه في كتاب «سيرة شعرية» ص15: ذلك أنني كتبت أول قصيدة في سن الثانية عشر ولكنني كنت قبل هذه السن مولعا بالشعر، وكنت بالتأكيد مولعا بالأدب. قد تبدو العبارة الأخيرة غريبة في أيامنا هذه حيث لا يتوقع أحد من الأطفال إعجابا كثيرا أو قليلا بالأدب. ولكنني أذكر تماما أنني قبل أن أبلغ العاشرة قرأت كافة كتب كامل كيلاني وتجاوزتها إلى مجموعة طيبة من روايات يوسف السباعي وإلى معظم قصص تاريخ الإسلام التي كانت تصدرها دار الهلال بالإضافة إلى كل ما وقع تحت يدي من روايات أرسين لوبين ورو كامبول.
ويضيف الدكتور غازي في نفس الكتاب «ص 36»: لقد كنت منذ سن التاسعة وحتى اليوم قارئا مدمنا، إن جاز التعبير، ولا أعتقد أن أسبوعا واحدا قد مر بي منذ أن أجدت القراءة ولم أنته فيه من قراءة كتابين أو ثلاثة. إنني لا أذكر هذا الإدمان على سبيل المباهاة ولكن كحقيقة لابد لي فيها... من الطبيعي والحالة هذه، أن تكون قراءاتي قد غطت حقولا واسعة ومتنوعة. لقد قرأت الكتب الأدبية التقليدية من ”البيان والتبيين“ إلى ”العقد الفريد“ إلى ”الأغاني“، وقرأت بتوسع في التاريخ والرواية والقصة والسيرة، بالإضافة إلى ما تطلبته الدراسة الأكاديمية من قراءات واسعة في القانون والعلوم السياسية والاقتصاد وعدد آخر من العلوم الاجتماعية.
أما عن مرحلة دراسته الثانوية في البحرين فيقول عنه الدكتور سرحان ص21: وتميزت أهم صفاته الحميدة إذ وجد الشاب في نفسه ميلا واضحا قويا إلى دراسة الأدب، فأقبل على نفسه بكل سرور يغذي هذا الميل وينميه، وصار يقضي ساعات نهاره، ويسهر جل لياليه منكبا على قراءة الكتب والطرائف والنوادر.. يحاول فهم ما يقرأ ويتذوق نصوص ما يحفظ، ودراسة واستيعاب ما أمكن من قواعد النقد والبلاغة المتصلة بالأدب.
وأما أفضل الفترات التي قضاها في القراءة فكانت في فترة بقاءه في البحرين: أتاح لي هذا البرنامج «يقصد دوام العمل في سفارة المملكة» فرصة للقراءة لم تتح لي قبل إقامتي في البحرين، ولم تتح لي بعدها. بنيت في المنزل مكتبة كبيرة، وكنت أقضي بين رفوفها قرابة خمس ساعات يوميا» سيرة شعرية. ص 285.
وقد استطاع القصيبي أن يكتب نحو 60 كتابا في الشعر والأدب والرواية والإدارة والسياسة. وأخيرا يقول عن نفسه: وجدتُ عزائي في الكتب، اكتشفت هذا العالم السّاحر الذي يعيش بموازاة عالمنا، يُلامسه أحيانًا، ويحتله أحيانًا، ويغيب عنه أحيانًا، أطبق عليّ هذا العالم السّاحر، أصبح حياتي الثانية الموازية، والملجأ الآمن من عالم غير آمن.
وهكذا ونتيجة هذا الجهد الطويل في عالم القراءة فإننا نجد انعكاس ذلك على كتاباته وعلى أحاديثه عندما يتحدث في أي لقاء حيث الكاريزما الساحرة في شخصيته والتي تجذب المستمع إليه.