موسم الأربعين تجاوز مفهومه الكرامة
لا يبعد مفهوم المعجزة عن مفهوم الكرامة كثيرًا، إلا أن الأول يدعم الأنبياء ورسالاتهم، والثاني يدعم أولياء الله ومكانتهم عند الله، والبعد الثاني «المعجزة» ينبغي أن تعمم لإلقاء الحجة والبينة على الناس أجمعين، والكرامة مخصوصة بفرد أو مجموعة أفراد معينين لإظهار مكانة هذا الولي عند الله تعالى، ولا يلزم تعميمها على الناس كما هي في المعجزة، والمفهومان كلاهما خرق للعادة أو الظواهر الطبيعية.
المتتبع لموسم عاشوراء والأربعين بالخصوص يتيقن أنهما بلا شك ولا ريب محفوفان بالعناية الإلهية، ولو سردنا التاريخ أمامنا من العام الذي استشهد فيه أبو عبدالله الحسين 61 للهجرة مرورًا بزمن قوة حكومة بني أمية التي استمرت ما يقرب مئة عام، وصولًا إلى الدولة العباسية التي تربعت على صدر الأمة ما يقرب ست مئة عام، وحتى عصرنا هذا، بل إلى آخر حدث قبل أيام قليلة، وقد تناقلته وسائل الإعلام المرئية والسمعية بصورها الحية والبشعة أولًا بأول وما خلفته من دمار وخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، ما كان غرضه إلا كبقية المخططات السابقة التاريخية منها والحاضرة والمستقبلية التي تسعى جاهدة إلى محاربة هذه الشعيرة الحسينية من قبل تلك الثلة المجرمة المتجددة والمتلونة في كل زمان، والتي تعد العدو الأول للحسين وأهل البيت الأطهار صلوات عليهم أجمعين، وهذه الأحداث تصنع في هذا التوقيت بالذات بهدف اعتراض ووقف الزحف الحسيني المبارك لهذا الموسم الأربعيني المليوني لهذا العام، بل لكل عام قادم.
وستتكرر هذه الأحداث في كل عام في هذا التوقيت، بل يعد ويخطط لافتعاله من قبل هذه المجموعات من أشباه الرجال تحت حجج وعناوين واهية، حتى ألفه الموالون وأخذوا يترقبون فقط طبيعية أو نوعية الحدث وليس الحدث ذاته؛ لأنهم يتوقعون بأن يحدث مثل هذا أو غيره على يد الشيطانين بكل أشكالهم وألوانهم وأجناسهم.
مازال أعداء الأمس «وهم أعداء اليوم وغدًا» يتربصون ويخططون ليل نهار لهذا الموسم الحسيني وهذه الشعيرة المباركة بكل قواهم وبكل ما يملكون من قوة وعِتاد وبكل ما أوتوا من قوة بشرية ووسائل إعلامية وتكنولوجيا، لأنهم يعدون الحسين «والنهج الحسيني» ومن يسير على طريقه هم العدو الأول؛ لذا تراهم يعدون لمواجهته ومحاربته والتخلص منه، لأن الحسين ونهجه الإلهي هو الوحيد القادر على كشف وفشل مخطط أعداء الله وأعداء الأنبياء والرسل وأعداء الإنسانية وتعريتهم أمام الرأي العام وأمام سكان الأرض، ومع كل ذلك نرى من أولئك الأعداء كل هذا الإصرار والترصد على قمع وقتل الحسين في كل يوم بل في كل لحظة مع قمع وقتل أنصاره أينما وجدوا على وجه الخليقة.
ولهذا فإن أي تحرك حسيني يشكل خطرًا على هؤلاء الدنيويين، ومحاربته وتغيب ذكره أينما يكون على وجه الأرض أصبح هدفًا رئيسًا لهم، فما بالك إذا كان هذا التحرك الحسيني ينطلق من مسقط الثورة والنهضة الحسينية المباركة؟ وهي تمثل الخلود الأبدي لكل المضطهدين والمظلومين، أي من الأرض الكربلائية المقدسة أرض الحسين والأنبياء. منها قادت ثورة العدل على الظلم، ومنها أشرقت الحرية بنور ربها وظهر الحق وزهق الباطل وتحرر المظلومون من قيود العبودية والذل، وهدمت أصنام الطغاة الذي يقوده أهل الشر والباطل على أهل الحق.. نعم من أرض كربلاء الذي لا شيء يشبهها ولا شيء يشبه الحسين. إنه الحسين.
وفي بداية ونهاية كل موسم حسيني سيكون هناك حدث مفتعل ضد هذه الشعيرة الأربعينية المليونية الزاحفة للإمام الحسين لتلبية نداء ودعوة مولاهم لنصرته ونصرة الإصلاح الإلهي الحسيني، مخلفين وراءهم الدنيا وكل ملذاتها وزخارفها، ومع كل ذلك يتوقعون أن يكون أمامهم متربص خبيث ينتظر لحظة إشعال نار الفتنة والبغضاء والكراهية التي تأكل الأخضر واليابس، ولكن أنصار الحسين أمام هذه التوقعات الأليمة يظلون صامدين في طريقهم مستمدين روح الحسين وراياتهم ترفرف ”يا حسين“، وهذا هو سر الانتصار والبقاء والخلود.
وأما أعداء الإمام الحسين سيُهزمون ويذلون ويخسَؤُون، ويبقى الحسين خالدًا منتصرًا شامخًا، ولا شيء يقف أمام الحسين إلا ويسقط ويسقط معه كل مخطط مهما كان صانعه وداعمه.. سيجد نفسه مهرولًا مهزومًا مكسور الوجدان. هذه هي معادلة الحسين لكي تصلنا رسالته المباركة؛ لأن الحسين وُجد ليبقى ما بقي اليل والنهار في ضمير الأمة وفي ضمير كل المستضعفين والمضطهدين لينهضوا وينتصروا به ويكون لهم قائدًا وسدًّا منيعًا في وجه كل طاغية من أمثال نمرود وفرعون ويزيد.
ولأجل كل ذلك نقول: إن كرامات الإمام الحسين تجاوزت بعدها ومفهومها وأعجزت أصحاب العقول والألباب، فلا يدرك الحسين وكراماته إلا من عرفه حق المعرفة، وبلوغ هذه الدرجة هو لمن وصفوا بأنهم أصحاب البصيرة والضمائر الحية اليقظة الذين ساروا على نهجه وهم القلة من هذه الأمة.
السَّلام عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، وَأنَاخَت برَحْلِك، عَلَيْكُم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَدًا مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ أهْلَ البَيتِ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.