لا وقت للقراءة
لا وقت لدي للقراءة.. هذا ما يقوله الكثيرون حينما تسألهم عن عدد ساعات قراءتهم. لكن هذه هي مجرد حجج يطرحونها تخفي وراءها حالة الانهزام أمام طوفان المغريات التي تواجههم في حيواتهم اليومية. فلا ينبغي أن يخصص للقراءة أوقات الفراغ، بل تفرغ لها الأوقات وترصد لها الأموال كونها الرافعة الأكبر للمعرفة والثقافة، وأقوى مساند للمرء في مواجهة مصاعب الحياة. لكنها في المقابل صعبة؛ كونها تعبِّر عن حالة من المقاومة لحياة الكسل والركود والدعة والركون للراحة والجمود.
فما أسهل أن يجلس المرء أمام التلفاز لساعات طويلة، أو أن يتلاعب بأصابعه على لوحة هاتفه الذكي متصفحًا بعض وسائل التواصل الاجتماعي، أو أن يجلس لساعات في مجلس عام يتجاذب أطراف الحديث مع أصدقاء، لكن أن يمسك بكتاب ورقي أو حتى إلكتروني فذلك دونه خرط القتاد، وهو أصعب من ركوب المخاطر.
لا وقت لدي للقراءة.. هذا ما يقوله الكثيرون، لكن لا أحد يدقق في كلامهم. أين، إذن، تذهب ساعات اليوم؟ وأين تذهب أيام الأسبوع وأسابيع الشهور؟، وكيف ينقضي العام تلو العام دون أن يحرز أبناء أمة اقرأ الإنجاز المطلوب منهم في مجال القراءة. أين نحن من أول آية أنزلت وهي «اقرأ»؟ وما يدل عليه ذلك من الأهمية الكبرى لهذا الأمر؟
إذا كان لدينا ما مجموعه 168 ساعة في الأسبوع، وأخذنا منها 40 ساعة عمل، وسبع ساعات عبادة، وأربع ساعات رياضة، ولنقل 60 ساعة نوم «أكثر من 8 ساعات كل يوم»، وأنشطة أخرى «ساعتان» وهو يشكل ما مجموعه 113 ساعة، فإنه يتبقى لدينا 55 ساعة فراغ في الأسبوع. وهنا لو أسقطنا خمسين ساعة من هذه الساعات الخمس والخمسين لتبقت لنا خمس ساعات أسبوعيًا يمكننا أن نخصصها للقراءة «أي أكثر من نصف ساعة يوميًا بعد الفراغ من جميع الأعمال والالتزامات». فماذا يمكن أن يحصل لواقعنا لو فعلنا ذلك؟ ألا نعتقد أنه يمكن أن نتقدم أكثر في عالم اليوم شديد التنافس؟ ألا يمكننا أن نصل إلى ما يعتقده أحد المهتمين بالقراءة؛ الذي قال إن قراءة ساعة كل يوم في تخصص ما هو بمثابة رسالة دكتوراة كل عام في ذلك التخصص «ربما كان يقصد في التخصصات الإنسانية». فكم رسالة دكتوراة نستطيع أن نحصد في حياتنا؟ وكم من التغيير نستطيع أن نحدثه في ذواتنا مع مرور الوقت؟
قد لا نتذكر جميع ما نقرأه، لكن أثره سوف يبقى بالتأكيد في أنفسنا، وسوف ينعكس على نمط تفكيرنا وأسلوب حديثنا وتصرفنا، وكتاباتنا لو كتبنا.
لا وقت لدي للقراءة، هو إذن مجرد هروب من استحقاق مطلوب، ومحاولة للإفلات مما يفيد، والركون إلى ما لا يفيد.. إنها جاذبية الكسل والدعة.
ومن أجل مزيد من الوقت للقراءة ينصح بأمور عدة؛ منها حمل واقتناء بعض الكتب معك في كل مكان؛ خاصة الكتب الصغيرة ذات الموضوعات الخفيفة، ثم اقتناص أي فرصة فراغ «وهي كثيرة عند تجميعها» والبدء بالقراءة. كما ينصح بمحاولة تقليص الأوقات المخصصة لكل من التلفاز والجوال ووسائل التواصل الاجتماعي وذلك لصالح القراءة، زيادة الاعتماد على الكتب الصوتية بين وقت وآخر؛ خاصة عندما لا تكون راغبًا في الإمساك بكتاب أو أثناء بعض الأنشطة مثل ممارسة الرياضة أو حتى فترات الأعمال المنزلية كالطبخ والغسيل والتنظيف بالنسبة للمرأة أو وقت ممارسة الرياضة. لو قام كل منا بتجميع أوقات فراغه بعد استنفاد جميع أوقاته الأخرى للاستمتاع بها، وخصص هذه الأوقات للقراءة لأصبحنا أفضل في الجانب المعرفي والحياتي، ولربما استطعنا، ومع مرور الوقت، أن نواكب الركب العالمي في مختلف ميادين الحياة، فهل نقوم بذلك؟
** مهما كنت تظن نفسك مشغولا، إذا لم تجد الوقت للقراءة ستكون قد سلمت نفسك بيديك للجهل والنكران. كونفوشيوس