موهوبو ”القطيف الثانوية“ يُثيرون الجدل في مكتبة الحرز

شبكة أم الحمام

زار موهوبو مدرسة القطيف الثانوية الاثنين الماضي مكتبة جدل بأم الحمام برفقة المعلمَينِ سميح المرهون وعبدالعزيز آل حرز، حيث استقبلهم صاحب المكتبة الأستاذ علي معتوق الحرز بكلّ حفاوة وأجمل ترحاب.

وقد تجوّل الطلابُ في البدء بين أروقة المكتبة العامرة، اطّلعوا فيها على الأرشيف الكبير للجرائد والمقالات وتراث منطقة القطيف، ولفتَ انتباهَهم هذا الاهتمامُ الفريد بكل ما يمتّ بصلةٍ بالمنطقة وثقافتها وما كُتب عنها وعن شخصيّاتها، ثمّ أجالوا النظر كثيرًا في قاعات الفلاسفة الثلاث للكتب، وكانت علامات الانبهار والإعجاب مرتسمةً على محيّاهم، إذ إن الجدير بالذكر أن مكتبة الحرز تضمُّ أكثر من ثلاثين ألف عنوان، وأكثر من مئة ألف جريدة ومجلّة، ويعود بعضها لأكثر من قرن، وبعض تلك الكتب والجرائد تُعدّ من النوادر الثمينة.

وبعد هذه الجولة التعريفية ألقى الأستاذ علي الحرز محاضرةً قيّمة أمام الموهوبين، دارت أفكارها حول المحاور التالية:

- أشار الأستاذ إلى أن رقيّ الإنسان يكمن في تنميته لعالم أفكاره وفق متطلبات العلم والثقافة. حيث ذكر تقسيم المفكر الجزائري مالك بن نبي لعوالم الإنسان: إذ إن الإنسان يعيش في ثلاثة عوالم: عالم الأفكار، وعالم الأشخاص، وعالم الأشياء. ولكل حضارةٍ عالمُ أفكارِها.

- ضرورة أن يصنع الإنسانُ ذاته وفق إرادته وطموحه، فهو من يقرر ماذا سيكون في المستقبل؟

- تطرق إلى أهمية امتلاك العقل الناقد مشيرًا إلى تلك الأوهام التي تكبّل العقل بحسب فرانسيس بيكون في كتابه «أورغانون» وهي أربعة: «أوهام القبيلة» و«خيالات الكهف» و«خداع السوق» و«ألاعيب المسرح».

- إشكالية أسر التقنية الحديثة وتعطيل العقل لدى البعض، مبينًا أهمية إعمال العقل حتى في التفاصيل الصغيرة.

- حثّ الشباب على القراءة وتدوين يومياتهم وانطباعاتهم حول الأشياء والأحداث.

وقد حفّزت هذه المحاضرة أذهانَ الطلاب على طرح إشكالاتهم واستفساراتهم في جوٍّ يسوده الشغف العلميّ، وقد أتاح الأستاذ الحرز المجال للموهوبين للمناقشة، وكان ممّا طُرحَ فيها من تساؤلات مختلفة ومتنوعة:

س/ أُعجِبنا اليوم بما رأيناه من كتب كثيرة، لكن ألا ترى أن الكتاب الرقميّ اليومَ سيتفوّق على الكتاب الورقيّ؟ وهل سيميل الأستاذ الحرز يومًا ما للقراءة الرقمية؟

فأجاب الحرز: بأنّ التطوّر اليومَ أتاح سهولة انتشار العلوم والمعارف، فبات الحصول على الكتب الرقمية سهلاً إلاّ أنّ للكتاب الورقي قيمته، فأنا أتحسس رائحة الورق وأحب قراءة الكتب الورقية وهي المفضلة عندي، وإن كان البعض اليوم يميلون للكتاب الرقمي.

س/ لماذا أسميتها ب ”جدل“؟

ج - جدل هو مصطلح فلسفي وديني في آن واحد، فثمة سورة اسمها ”المجادلة“، وهو الديالكتيك عند الفيلسوف هيجل مثلا.

س/ لاحظنا ميلك للفلسفة اليونانية وذلك بتسميتك القاعات الثلاث بأسماء «سقراط - أفلاطون - أرسطو»؟

ج - لا يمكن إغفال أهمية الفلسفة اليونانية وأثرها على الفكر، لكن لا يعني ذلك الإجحاف بإنجازات الفلاسفة المسلمين وغيرهم فأنا أقرأ لجميع الفلاسفة.

س/ أشرتَ إلى أنّ على الإنسان أن يصنع عالمَ أفكاره وأن بمقدوره أن يبني نفسه، وكيف يكون ذلك إذا علمنا بأنّ كل شيء مقدر علينا وأن الله يعلم مستقبلنا؟

ج - عِلم الله بمستقبلنا لا يعني أنّنا غير مخيّرين في أفعالنا، إذ إنّ الله تعالى أودع في النفوس ”التسيير الذاتي“ حيث توجد بواعث ذاتية يقوم بها الفرد بإرادته وبعلم الله تعالى. وقد بحث علماء الكلام المسلمون مسألة الجبر والتفويض كثيرا.

س/ ذكرتَ أنَّ على المرء أن يتحرر من عالم الأشياء والأشخاص إلى عالم الأفكار، لكن أليست الأفكار الخاطئة تولّد أفكارًا خاطئة جسيمة؟ فكيف يكون تحررنا صحيحًا؟

ج - إذا امتلك الإنسان عقلا ناقدًا فهو بمقدوره أن يميز الفكرة المنطقية الصحيحة من السقيمة، ويجب أن نجعل الأفكار هي محط اهتمامنا فبها نشخّص الأشخاص والأشياء.

س/ ما أصعب سؤالٍ فلسفيٍّ لم تجد له إجابة؟

ج - ثمّة من الفلاسفة من جعل سؤال الوجود هو جوهر الفلسفة، لذا انصب اهتمامهم حول هذا السؤال الإشكاليّ، وبحثوا حول أيهما أسبق الماهية أم الوجود؟ مثل مارتن هايدغر، ولعلّي أميل إلى أن هذا هو السؤال الصعب لكونه شغل اهتمام الفلاسفة.

س/ كيف وفّق الأستاذ الحرز بين القراءة والحياة الاجتماعية والنادي سابقًا - حيث كنتَ مديرا ومشرفًا للدراجات آنذاك -؟

ج - كنت أخصّص وقتًا للقراءة، ولم تكن آنذاك - منذ أن كنت صغيرًا - ثمّة ”سوشل ميديا“، وكنت لا أفوّت فرصة في اقتناء الكتب ومطالعتها وقد بدأت بجمع الكتب قبل خمسة وأربعين سنة.

س/ أشرت إلى أهمية القراءة، لكني أسأل ما الذي يجعلني أقرأ؟ إذا كنت سأحصل على المعلومة بسهولة من خلال وسائل التواصل كالواتساب وغيره؟

ج - وسائل التواصل لا تصنع منك مثقفا حقيقيًّا، بل تجعلك تقع في الوهم، إذ إن كثيرا من المعلومات المتناقلة لا يمكن الوثوق بها وصحّتها، إلاّ إذا كنت تقرأ كتبا رقمية من خلال ذلك، وأمّا عن الدافع الحقيقيّ فيجب أن يكون هو شغف امتلاك المعرفة وهذا لا تُتيحه الرسائل الواتسابية!

س/ لماذا ندوّن يومياتنا؟

ج - لأنها ببساطة تكون في المستقبل وثيقة مهمّة، فالفكرة البسيطة المدوّنة اليوم ستكون ثمينة غدًا، وهذا ما فعله مثله ”تولستوي“ حيث دوّن يومياته في كتاب «اليوميات» في ستة أجزاء، وبعض تلك اليوميات قد تبدو أفكارا عادية مثل شكواه من مرض أصابه عند استيقاظه من النوم ويصف حالته المزاجية، لكنها اليوم قد تُعدّ وثيقة مهمة ترسم لنا نفسية الكاتب وأفكاره ومواقفه، وأذكر مثلاً كتاب «الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية» للشيخ فرج العمران رحمه الله حيث يُسجل لهذا الشيخ الفضل في تدوين تلك اليوميات وتلك الآثار السابقة، وغدا كتابه اليوم مهما.

س/ اقتناؤك لهذه الكتب الكثيرة ألا يوحي بما يُطلق عليه في علم النفس ”بالاكتناز القسريّ“ وكأنّك مهووسٌ بجمع الكتب فحسب؟

ج - قل إنّي ”ببلومانيّ“ Bibliomania أي إني أعشق شكل الكتاب ورائحته وصوت أوراقه، وجمع الكتب لديّ بدأ منذ الصغر، لكني أقضي وقتا طويلاً في القراءة، وليس جمع الكتب لأجل الجمع فحسب.

س/كيف تصنّف كتبك في هذه الرفوف؟

ج - صنفت الكتب في القاعة الأولى ”قاعة سقراط“ وفق دور النشر، فإصدارات كل دار وضعتها في رف معين، وفي القاعتين الأخريين صنفت الكتب وفق الموضوعات الفلسفية أو الدينية أو الأدبية.

س/ هل تحب الأدب والشعر؟ ومن هو أفضل أديب لديك على مر العصور؟

ج - قد كنت أحفظ المعلقات وأنا مازلت صغيرًا، ولدي شرح المعلقات للزوزني وقد اقتنيته عام 1399 هـ، وحفظت منه الكثير، لكني أرى أن أبا الطيب المتنبي هو شاعر العربية الكبير الذي شغل الناس، وأحب شعره كثيرًا لما فيه من رؤية نقدية وفلسفية للحياة.

س/ وهل تقرأ الأدب غير العربي؟

ج - أحب كثيرا الأدب الروسي مثلا لتولستوي وألكسندر بوشكين الشاعر المعروف، لما في الأدب الروسي من نظرة عميقة في علم النفس.

وبعد هذا الحوار الممتع الذي استمر لأكثر من ساعتين، وقف الطالب مهدي حسين آل ضيف مترنّما بقصيدة ثناءٍ أمامَ الأستاذ علي معتوق آل حرز، عنوانها «إلى حلاّج القراءة» مطلعها:

هُنا يصطلي وَعيٌ بما آنسَ الفِكْرُ

ففي «جدَلٍ» قد لاحَ في عقلِنا فَجْرُ

ثم توقّف الطلابُ مليًّا في قاعة المتحف متمعّنين في تلك الصور والمقتنيات التراثية التي تلمّسوا فيها رائحة الماضي وعبق التاريخ، فأخذوا لها صورا تذكارية، ثم شكروا الأستاذ القدير علي معتوق الحرز، على كرم ضيافته ورحابة صدره وغزير ثقافته، وودّعوه وهم يحملون شوقًا كبيرًا لزيارة المكتبة في الأيام المقبلة.

هكذا مضى الوقت سريعًا كأنّه البرق، تمنّى الجميع لو توقفت عجلة الزمان في أروقة هذه المكتبة الغنّاء وذلك الحوار الشيّق النافع.