لا لتصنيف مؤسساتنا الإجتماعية
(على الرغم من أن وجود تيارات ثقافية وفكرية في السعودية أمر واقع، فقد أحدث إشكالية على مدى ثلاثين عاما في إمكانية تعايش المجتمع مع مبدأ التعددية، وبالتالي ظلت الممانعة تتخذ سلوك الفرز والتصنيف كوسيلة من وسائل العزل والإقصاء ضد الآخر، خصوصا فيما يتعلق بالأفكار الحداثية في مجتمع محافظ، فكريا ودينيا. وأكثر الذين اشتكوا من التصنيف باعتباره وسيلة لعزلهم كانت الفئة التي (وصمت) بأنها «علمانية» أو «ليبرالية» أو حتى «حداثية».)
كانت هذه المقدمة مقدمة لتحقيق صحفي يتناول موضوع التصنيف الفكري والإجتماعي على مستوى الوطن في عدد 11174 من جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 9 رجب 1430هـ ، والتي أختزلت ذلك التصنيف كما ورد دون ذكر الفرز الرئيسي والتصنيف الواضح ضد الشيعة كعادة الصحيفة المذكورة ، وهو ليس موضع الحديث هنا ، ولكن ليس بعيداً عن ذاك التصنيف والفرز وضع الداخل الشيعي فالوضع الإجتماعي الإقصائي للآخر وعمليات الفرز قد تكون هي أس المشاكل الآخرى التي مل مجتمعنا الشيعي من نقاشها ، والتي للأسف تجلت في التيارات الدينية عن غيرها .
كم هو جميل ذلك التنوع والتمايز في الطيف الإجتماعي ، وكم هو مهم الإرتباط والإنتماء للفرد بالنسبة للجماعات والكيانات والصيرورات ، وكم هو مهم التناغم والتعاون والتواصل والتكامل و التدافع ببعض بين تلك الأطياف والتيارات في العمل الإجتماعي والديني لإبراز الهم المشترك والترابط العقدي الواحد ، والذي للأسف ينقص مجتمعنا الإيمان بذلك التناغم والتواصل والتدافع فضلاً عن العمل على إبعاد بواعث الشقاق بينها عدا عن العمل على ترسيخ فكر الوحدة الإسلامية المدعاه .
كثيرة هي الآيات والأحاديث التي لو عرضتها تبركاً لكفت عن هذا المقال ، ولكن أصبح الأمر مستسغُ في المجتمع حتى أصبح استخدام الآيات لا يعدوا ذكراً وتبركاً ، ورغم مرارة تقبل هذا الواقع إلا أن المرارة الحقيقة هي تقبل ذالك النوع من الفرز لمؤسساتنا .
المتتبع لحركة التيارات الدينية في المجتمع الشيعي السعودي يرى أنها هي المثير الأساس لعوامل التصنيف والفرز والإقصاء ليس على مستوى الوطن فقط بل على مستوى المذهب في كثير من البلدان كذلك ، لذا عليها تقع مسئولية التحرك لإصلاح ما يمكن إصلاحه مما أفسدته مسبقاً ، فبدون إستشعار مسؤوليتها الرئيسية في المجتمع من إصلاح وتكوين مكامن التُقى في الفرد ، بعيداً عن التناحر والتنافر والفرز تكون قد وضعت الهدف الرئيسي للدين في تذييل مشاريعها المفترضه .
وأنه لمن المؤسف حقاً المحاولات التي تقودها تلك التيارات لفرز وتصنيف مؤسساتنا الإجتماعية العامة التي من المفترض أن تكون حاضنة لكل الطيف الإجتماعي ، وبل ومن السخف تبادل الإتهامات في السيطرة بينها على تلك المؤسسة أو تلك أو تحشيد أنصارها برؤية متداخلة على تلك المؤسسات .
أن مؤسسات كجمعية إجتماعية ، أو نادي رياضي ، أو مؤسسة تعليمية إجتماعية ، أو مؤسسة إعلامية إجتماعية ، أو مؤسسة أعراس جماعية ، أو أي مؤسسة إجتماعية آخرى يصب جهدها في خدمة المجتمع ، يجب أن تكون بعيدة عن تلك التجاذبات التيارية الدينية لأنها تخدم المجتمع كله بجميع أطيافه وليست لتيار معين .
لابد لعقلاء المجتمع التحرك للعمل على إبعاد رمزيات وبواعث التصنيف عن تلك المؤسسات بالوسائل الممكنة حتى تبقى النظرة الإجتماعية صافية خالية من الضبابية في العمل للمجتمع ككل من خلال مؤسساته .
وبحكم أن التيارات الدينية في الداخل الشيعي هي الأكثر شعبية ونشاط من التيارات الأخرى ، إلا أنه يجب على المهتم بالشأن العام على مستوى الوطن من الداخل الشيعي " أكان من التيار الديني أو غيره " النظر إلى مشكل الوطن بالتزامن مع الخلل الواقع إثر هذه الإشكالية التي بدأت تنخر الجسد وتفتته من الداخل ، وليست الظواهرالإجتماعية السلبية والمتعددة التي انتشرت مؤخراً إلا الفيض من الغيض الذي أصاب عصب الداخل ، وأعتقد أن التنبه في المستوى الأول لحل هذة المعضلة سيكون داعماً ومساعداً لتحقيق أهداف ذالك التيار المهتم بالشأن الوطني من المجتمع الشيعي .
كما يجب على المجتمع الخروج من شرنقة التقليدية التي تحكمه بعدم تقبل التعددية الفكرية و التنوع ولذلك يتخذ أفراده من المغاير لهم موقفا متشجناً يحمل إيدولجيا مقيته تقصي الآخر حتى من تقديره وبالخصوص في الجانب الديني .
إن سوق الفكر الديني وتحكيمه بأراء قد لا تكون منفذاً للرؤي النبوية لوحدة المجتمع الإسلامي ككيان وإسقاط تلك الرؤى وتحريفها بما تبغي به الأهواء ، هي خلاف فكر أهل البيت الذين بذلوا مهجهم لإصلاح المجتمع وجمع كلمته ضد البغي ، فكيف بنا ونحن جميعاً نتبعهم .